في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الحرب على قطاع غزة، وتتعمّق الأزمة الإنسانية والسياسية على الأرض، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى لتعيد التأكيد على الثوابت الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها السعي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي 1967، في مواجهة ما وصفه بالخطة الإسرائيلية الرامية إلى إجهاض هذا الحلم الوطني ومنع عودة السلطة إلى القطاع.
عدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية
كلمات مصطفى، التي جاءت خلال جلسة الحكومة الفلسطينية، تحمل دلالات عميقة، ليس فقط على صعيد الرد السياسي على المواقف الإسرائيلية، وإنما أيضاً في ما تعكسه من تحدٍّ مباشر لنهج حكومة بنيامين نتنياهو، الذي جاهر علناً في واشنطن بعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، بإعلانه التواصل مع دول لبحث إمكانية استقبال فلسطينيين من غزة، في خطوة يعيد بها إلى الأذهان مشاريع التهجير القسري التي لطالما شكّلت أحد أبرز تهديدات الوجود الفلسطيني.
الرفض الفلسطيني لما تطرحه إسرائيل لا يقتصر على الموقف الرسمي، بل يجد صداه أيضاً في الإجماع الوطني والفصائلي على ضرورة إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات تحت مظلة السلطة الفلسطينية، باعتبارها الإطار الشرعي القادر على قيادة المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل ما يتطلبه الوضع في غزة من جهود ضخمة لإغاثة السكان المنكوبين وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
توحيد النظام السياسي والأمني
ويُدرك الجانب الفلسطيني، كما عبّر مصطفى بوضوح، أن العقبات لا تقتصر على الميدان العسكري أو المشهد الداخلي، بل تمتد إلى منظومة إسرائيلية متكاملة، تسعى لإضعاف السلطة سياسياً ومالياً، وخلق واقع بديل في غزة، يعمّق الفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية والقطاع. في هذا السياق، يصبح الحديث عن توحيد النظام السياسي والأمني الفلسطيني شرطاً أساسياً لمواجهة هذه السياسات، ووسيلة للدفع باتجاه فرض رؤية الدولة المستقلة كخيار لا يمكن تجاهله دولياً.
وفي ظل ما يشهده المجتمع الدولي من تغير في نبرة الخطاب تجاه القضية الفلسطينية، كما ظهر في مواقف عدد من الدول الأوروبية مؤخراً، تحاول القيادة الفلسطينية استثمار هذا الزخم لإعادة الاعتبار إلى مشروع الدولة، باعتباره خياراً واقعياً وضرورياً لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وليس مجرد مطلب وطني فلسطيني.
خريطة طريق سياسية للسلطة
لكن على الرغم من هذه الجهود، تبقى التحديات هائلة، في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية، والانقسام الفلسطيني المستمر، والضغوط الإقليمية والدولية المتشابكة. ومع ذلك، يبدو أن خطاب مصطفى لم يكن موجهاً فقط لإسرائيل، بل أيضاً لجمهور فلسطيني يترقب مساراً سياسياً يُنهي سنوات الانقسام والضياع، ويؤسس لمرحلة جديدة من الوحدة والمسؤولية الوطنية.
بهذا المعنى، تُعد هذه التصريحات بمثابة خريطة طريق سياسية للسلطة الفلسطينية، تحاول من خلالها إعادة التمركز في المشهد، لا كطرف تابع للمبادرات الإقليمية والدولية، بل كمبادر يسعى لتكريس واقع الدولة عبر توحيد الصفوف، وتحقيق الإجماع الداخلي، ومواجهة محاولات تغييب القضية عبر فرض الوقائع الميدانية.