في مشهد رمزي لمرحلة جديدة من التحول السياسي في سوريا، زار رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع، يوم الجمعة 7 يونيو/حزيران 2025، مدينة درعا (جنوب البلاد) للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة، في زيارة وُصفت بأنها “محطة مهمة في مسار التعافي الوطني”، حسب وصف محافظ المدينة.
زيارة المسجد العمري.. ورسائل سياسية
الرئيس الشرع، الذي رافقه وزير الداخلية أنس خطاب، استهل جولته بزيارة المسجد العمري، أحد أبرز رموز انطلاق الثورة السورية عام 2011، حين تحولت ساحاته إلى مركز للمظاهرات ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وعقد الرئيس الشرع سلسلة لقاءات مع قيادات عسكرية حكومية، وشخصيات عشائرية من محافظة درعا، بالإضافة إلى وفد من الطوائف المسيحية، في خطوة تعكس نهجًا تصالحيًا تسعى له الحكومة الجديدة بعد سنوات من الصراع.
ترحيب شعبي ورسمي
نشرت وكالة الأنباء الرسمية سانا صورًا أظهرت تجمعات شعبية كبيرة تستقبل الرئيس، الذي ظهر وهو يصافح الناس ويحييهم خلال زيارته التي جاءت تزامنًا مع عطلة عيد الأضحى.
وقال محافظ درعا أنور الزعبي في بيان رسمي: “تُثمن محافظة درعا، الزيارة الكريمة التي قام بها السيد الرئيس أحمد الشرع، والتي شكّلت رسالة واضحة بأن درعا كانت وستبقى في قلب الوطن وموضع اهتمام القيادة”.
درعا.. من غرافيتي الثورة إلى مصالحة الدولة
تعود جذور الحدث إلى مارس 2011، عندما أشعل اعتقال مجموعة من الفتية بعد كتابتهم شعارات مناهضة للنظام على جدران مدرسة محلية شرارة الاحتجاجات، التي امتدت إلى عموم البلاد وتحولت لاحقًا إلى نزاع مسلح.
وبعد سنوات من المعارك، استعادت قوات النظام السابق السيطرة على درعا في 2018 بموجب اتفاق برعاية روسية، سمح للمقاتلين المحليين بالاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة في تسوية جزئية.
المبعوث الأميركي يعلق على فتوى تحرّم القتل خارج القانون
بالتزامن مع زيارة الشرع، أصدر المجلس الأعلى للإفتاء في سوريا فتوى جديدة تُحرّم القتل خارج نطاق القانون، وتُجرّم الثأر والانتقام، داعيًا إلى استرداد الحقوق عبر القضاء.
وقد رحّب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، بالفتوى، معتبرًا إياها “خطوة أولى عظيمة نحو سوريا جديدة”.
إصلاح قضائي وتشريعي ضمن عملية الانتقال السياسي
يأتي ذلك ضمن سلسلة إصلاحات تقودها الحكومة الجديدة، حيث شدد الرئيس الشرع في مناسبات سابقة على أهمية “بناء مؤسسات قضائية مستقلة وفعّالة تعيد الثقة للمواطنين”.
وقد تم بالفعل الإعلان عن تشكيل “الهيئة الوطنية للعدالة” في مايو الماضي، إلى جانب قرارات بإعادة بعض القضاة المعزولين، وبدء مراجعة القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان.
درعا بين الرمزية والواقع الجديد
زيارة الشرع إلى درعا ليست مجرد زيارة ميدانية، بل تحمل دلالات رمزية على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في مسار المصالحة الوطنية وبناء دولة القانون، وتبقى التحديات كبيرة، لكن الرسائل السياسية في هذه الزيارة توحي بأن الجنوب السوري قد يعود إلى قلب الدولة بطريقة مختلفة هذه المرة.