الضفة الغربية تشهد تصعيداً ميدانياً متسارعاً يُنذر بانفجار شامل يتجاوز حدود الردود الموضعية، ويتحول تدريجياً إلى حالة من الفوضى الأمنية المنظمة بفعل استمرار الاقتحامات الإسرائيلية والاعتقالات العنيفة. الهجوم الذي شنته قوات خاصة إسرائيلية على بلدة برطعة فجر اليوم، والعملية العسكرية الكبيرة التي رافقته، ليست إلا حلقة في سلسلة متواصلة من الحملات الأمنية التي تتسع رقعتها يومًا بعد يوم، مستهدفة المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية بحجة ملاحقة “مطلوبين”، لكن نتائجها تتجاوز الأفراد إلى ترويع مجتمعات كاملة.
اقتحامات الاحتلال لم تعد مجرد عمليات أمنية محددة، بل تحولت إلى استعراض للقوة وفرض واقع سياسي جديد، عنوانه أن لا مكان في الضفة إلا تحت عين الأمن الإسرائيلي. عمليات الهدم للمنازل، كما حدث اليوم في برطعة، تعكس بوضوح سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال في محاولة لكسر الروح المعنوية للمجتمع الفلسطيني، ومعاقبة البيئة الحاضنة لأي مقاومة، حتى قبل إثبات الاتهام.
تحويل الضفة إلى ساحة مواجهة
لكن، في الوقت ذاته، يجب التوقف عند الدور الذي تلعبه بعض الفصائل المسلحة، والتي باتت تعتمد في خطابها السياسي على “الرد الطبيعي” كرد فعل وحيد تجاه الجرائم الإسرائيلية، دون تقديم رؤية استراتيجية أو تنظيم فعل ميداني فعّال ومتصاعد. الاكتفاء بتبني عمليات فردية، ثم الاكتفاء بالبيانات الحماسية، أظهر محدودية تأثير هذه الفصائل، وكأنها ترد على الاحتلال بآلية تلقائية، لا تُحدث فرقاً حقيقياً في موازين القوى، ولا تحمي المجتمع المدني من تبعات هذا التصعيد.
الواقع أن بعض الفصائل، وعلى رأسها “حماس”، رغم امتلاكها قدرات تنظيمية وشبكات دعم، لم تنجح حتى اللحظة في تحويل الضفة الغربية إلى ساحة مواجهة منظمة أو ردع حقيقي للجيش الإسرائيلي، بل تركت المسلحين الميدانيين يخوضون معاركهم في ظروف من العشوائية والفردية، ما يجعلهم هدفاً سهلاً للاعتقال أو التصفية. والأخطر من ذلك أن هذه المواجهات، التي تُترك لتختمر في الغضب الشعبي، تنتهي غالباً برد فعل إسرائيلي شديد، يُكلّف المدنيين منازلهم وأمنهم وأحياناً حياتهم.
دمج المقاومة الشعبية
سلسلة الاقتحامات والاعتقالات الأخيرة ليست فقط مؤشراً على توسيع الاحتلال لحملته الأمنية، بل على غياب التنسيق الفلسطيني الميداني، وضعف قدرة الفصائل على بناء بيئة مقاومة مُحصنة سياسياً واجتماعياً. وفي ظل هذا المشهد، يدفع المواطن الفلسطيني الثمن الأكبر: منزله يُهدم، أبناؤه يُعتقلون، وأمنه الشخصي يتحول إلى ترفٍ مؤقت.
ما يحدث في الضفة ليس مجرد توتر أمني، بل معركة إرادات، لا يُكفي فيها إطلاق النار من حين إلى آخر، بل تحتاج إلى مشروع وطني مقاوم شامل يُعيد تعريف طبيعة الرد، ويدمج المقاومة الشعبية والمسلحة ضمن خطة تحاصر الاحتلال ولا تمنح له الفرصة ليكون هو المبادر الدائم والمتحكم الوحيد بالميدان. بدون ذلك، ستبقى الضفة مستباحة، وسيدفع الناس ثمن قرارات تُتخذ في بيانات، لا في خنادق.