تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض إجراءات أمنية مشددة على امتداد الضفة الغربية، عبر سلسلة من الإغلاقات والحواجز التي حولت المحافظات الفلسطينية إلى جيوب معزولة عن بعضها البعض، وسط شكاوى متزايدة من السكان المحليين بشأن القيود التعسفية التي تعرقل حركتهم وتفاقم المعاناة اليومية.
رام الله والبيرة في قبضة الحواجز
تشهد محافظة رام الله والبيرة واحدة من أشد حملات الإغلاق منذ أشهر، إذ نصبت قوات الاحتلال حواجز عسكرية على معظم مداخلها، وأغلقت بوابات رئيسية بالسواتر الحديدية. وتشمل الإجراءات إغلاق حاجزي عين سينيا وعطّارا شمالًا، إلى جانب البوابة الحديدية على المدخل الشمالي لمدينة البيرة، ما أدى فعليًا إلى فصل المحافظة عن باقي مناطق الضفة.
وفي خطوة تصعيدية إضافية، أغلقت قوات الاحتلال حاجز جبع شمال القدس، وهو أحد المعابر الحيوية، وكذلك بوابة حاجز كراميلو المؤدي إلى بلدة الطيبة شرق رام الله، مما أدى إلى تقطّع أوصال حركة الفلسطينيين في هذا المحور الحيوي.
تطويق أريحا ونابلس… العزل يتسع
الإجراءات المشددة لم تقتصر على رام الله، إذ واصلت قوات الاحتلال التضييق على مدينة أريحا عبر حواجزها الرئيسية والفرعية، ومنعت سكانها من الدخول أو الخروج دون مبررات واضحة. ويأتي ذلك في سياق حصار مستمر يطال المدينة منذ شهور، حيث توثّق شهادات محلية حالات تأخير لساعات طويلة، وإجراءات تفتيش مهينة، وتقييدات على سيارات الإسعاف والطلبة والمرضى.
أما في محافظة نابلس، فقد طالت الإغلاقات معظم مداخل القرى والبلدات المحيطة، حيث أغلقت قوات الاحتلال حواجز المربعة، وعورتا، وبيت فوريك، إضافة إلى نقاط تفتيش جديدة في مناطق زعترة وعقربا ويتما. وتشهد منطقة حاجز دير شرف شبه شلل في الحركة، وسط استنفار عسكري دائم يُعيق تنقل المواطنين والبضائع ويعطّل الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
الأغوار الشمالية وسلفيت… ممرات مغلقة وطرق مقطوعة
امتدت الإجراءات العسكرية المشددة إلى الأغوار الشمالية، حيث لا تزال قوات الاحتلال تغلق حاجزي تياسير والحمرا، في وجه حركة الفلسطينيين، لليوم الثاني على التوالي. هذه المعابر التي تُعد الشرايين الأساسية لسكان الأغوار، تخضع منذ أكثر من عامين لقيود صارمة، لكنها شهدت في الأيام الأخيرة تضييقًا إضافيًا، وسط غياب أي تبرير رسمي من الجانب الإسرائيلي.
وفي محافظة سلفيت، فرضت قوات الاحتلال طوقًا محكمًا عبر إغلاق المدخل الشمالي للمدينة، إلى جانب مداخل بلدات بروقين، قراوة بني حسان، حارس، كفل حارس، دير استيا، كفر الديك، وياسوف، ومداخل قرية مردا الشرقية والغربية. وتحوّلت هذه البلدات إلى ما يشبه الجزر المحاصرة، ما يعيق الحركة بين المحافظات ويعزل التجمعات السكانية عن بعضها البعض.
أبعاد سياسية وأمنية لإغلاق الضفة
تأتي هذه الإجراءات في سياق أمني متصاعد، يعكس توجهًا إسرائيليًا لفرض واقع جديد على الأرض، يتمثل في إعادة هندسة الحركة والتنقل في الضفة الغربية بما يخدم السيطرة الميدانية ويقلص مساحة التواصل بين التجمعات الفلسطينية. وعلى الرغم من ادعاءات الاحتلال بأن هذه الحواجز “ضرورية لأمنه”، إلا أن واقع الميدان يشير إلى سياسة عقاب جماعي تجرّد الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، وتفاقم من عزلة المدن والبلدات، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني.
مع استمرار هذه السياسة، يواجه الفلسطينيون في الضفة ليس فقط قيودًا على حركتهم، بل نظامًا من الحصار المتنقل الذي يُبقيهم رهائن لبوابات حديدية مفتاحها بيد الاحتلال.