تُظهر الأوضاع الراهنة في مخيم طولكرم ونور شمس بالضفة الغربية ملامح سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف البيئة السكانية الفلسطينية بشكل مباشر، حيث باتت جرافات الاحتلال تمارس دورًا يتجاوز العمليات العسكرية ليصل إلى ما يمكن تسميته بإعادة تشكيل قسرية للواقع الجغرافي والديموغرافي في المخيمات. فالهدم المتواصل للمنازل، وصدور أوامر بهدم 104 بنايات دفعة واحدة، يمثل امتدادًا لسياسات العقاب الجماعي، وتجريد السكان من مقومات العيش الأساسية، بما في ذلك الحق في المأوى، الذي يُعد أحد أبسط الحقوق المكفولة في القانون الدولي الإنساني.
الممارسات العقابية
المعاناة اليومية التي يتكبدها المواطنون في هذه المناطق لا تقتصر فقط على الهدم ذاته، بل تشمل سلسلة من الممارسات العقابية المتكاملة: من الحصار المستمر منذ أكثر من خمسة أشهر، والاقتحامات الليلية المتكررة، إلى الاعتقالات العشوائية، وقطع الطرق، ومنع الدخول والخروج من المخيم. هذه الممارسات حوّلت حياة الآلاف إلى جحيم يومي، وفاقمت من الأزمة الإنسانية والمعيشية، في ظل غياب تام لأي أفق سياسي، أو ضمانات دولية للحماية.
القراءة الأولية لأوامر الهدم تُشير إلى أنها لا تأتي في إطار أي سياق أمني ميداني مباشر، بل تنتمي إلى مشروع أوسع يهدف لتغيير الطابع الجغرافي والسكاني للمخيمات الفلسطينية، من خلال تقليص الكثافة السكانية، وتفتيت الأحياء، وفتح طرق وممرات تُستخدم لاحقًا لأغراض عسكرية أو أمنية. كما أن منح مهلة “الاعتراض خلال 72 ساعة”، مع السماح بالإخلاء، لا يُعدو كونه إجراءًا شكليًا لا يغيّر في حقيقة أن القرار نُفذ فعليًا على الأرض، وأن السكان لا يمتلكون أي أدوات قانونية فعالة لوقفه.
غياب المساءلة الدولية
من زاوية أخرى، يشير تكرار عمليات الهدم إلى حالة من غياب المساءلة الدولية، وفشل المجتمع الدولي في تأمين الحد الأدنى من الحماية القانونية للفلسطينيين، ما يجعل الاحتلال يتصرف بثقة وحرية مطلقة دون خوف من المحاسبة. وبهذا الصمت، يتحوّل القانون الدولي الإنساني إلى مجرد نصوص مجمدة، لا تجد طريقها للتنفيذ، بينما يتصاعد النزوح القسري، وتُطمس هوية المخيمات الفلسطينية، التي نشأت أصلاً كعنوان لقضية اللاجئين.
هذه السياسات لا تؤدي فقط إلى تدمير المنازل، بل إلى تدمير الأمل، وتقويض الاستقرار الاجتماعي، وتوسيع دائرة الفقر والتشريد، وخلق أجيال جديدة تنشأ على مشاعر القهر وفقدان العدالة، ما يزيد من حدة الاحتقان ويفتح المجال لمزيد من التصعيد.
التجريف المادي والإنساني
في هذا السياق، تصبح معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتحديدًا في مخيمات طولكرم، نموذجًا مكثفًا لما تعنيه الحياة تحت الاحتلال: واقع من الاضطراب الدائم، والخوف، والتجريف المادي والإنساني، وسط غياب فعلي لأي حماية قانونية أو سياسية، في وقت تستمر فيه قوات الاحتلال في فرض أمر واقع جديد بقوة الجرافة والبندقية، دون اعتبار لإنسانية من يعيشون تحت هذا القهر اليومي.