تواصل إسرائيل تعزيز سياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة، وسط تصعيد ملحوظ في الإجراءات الميدانية والقانونية، ما يعكس طموحًا استراتيجيًا قديمًا بالاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وبشكل خاص في المنطقة (ج) التي تمثل أكثر من 60% من الضفة الغربية. التحركات الأخيرة، المتمثلة في إطلاق عملية ضخمة لتسجيل الأراضي في هذه المنطقة، تندرج ضمن هذا السياق، وتثير مخاوف جدية من تحولها إلى وسيلة لضم فعلي تحت غطاء قانوني إسرائيلي أحادي.
انتزاع ملكية الفلسطينيين
هذه الخطوة، التي تبنّتها الحكومة الأمنية المصغرة في إسرائيل، تمثل انتقالًا نوعيًا من مجرد السيطرة العسكرية أو التوسع الاستيطاني غير الرسمي، إلى محاولة فرض سيادة قانونية عبر إجراءات تسجيل الأراضي. ووفق ما حذّرت منه منظمة «السلام الآن» الحقوقية الإسرائيلية، فإن هذا المسح قد يستخدم لانتزاع ملكية الفلسطينيين من أراضيهم، خاصة أولئك الذين يملكون وثائق ملكية قديمة لا تعترف بها إسرائيل بشكل رسمي. وفي ظل غياب آلية دولية ملزمة.
هذا المشروع لا يمكن قراءته بشكل منعزل عن التصريحات المتكررة لعدد من الوزراء اليمينيين المتطرفين في الحكومة، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي قال صراحة إن عام 2025 سيكون عام “توسيع السيادة” الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية. وهو ما يعني إدخال تلك المناطق تدريجياً تحت السيطرة القانونية والسيادية لإسرائيل، على عكس ما ينص عليه القانون الدولي واتفاقيات أوسلو التي ما زالت تُعد، ولو نظرياً، مرجعية قائمة.
تفريغ المناطق من المقاومة
من ناحية أخرى، لا تنفصل هذه الخطوات القانونية عن الوقائع الميدانية على الأرض، حيث تتصاعد وتيرة الاقتحامات العسكرية لمدن وقرى الضفة الغربية بشكل شبه يومي. تشهد مدن مثل جنين، نابلس، رام الله، وطولكرم عمليات مداهمة، واشتباكات عنيفة، واعتقالات عشوائية، أسفرت عن مقتل وجرح مئات الفلسطينيين خلال الأشهر الأخيرة.
هذه العمليات تأتي تحت ذرائع أمنية، لكنها في جوهرها تُستخدم لتفريغ المناطق من المقاومة وتعزيز السيطرة الإسرائيلية، تمهيدًا لما يبدو أنه خطة منهجية لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للضفة على نحو يخدم مشروع الضم.
ابتلاع الضفة الغربية
الاقتحامات المستمرة تخلق واقعًا ميدانيًا من الرعب والفوضى وتعزز التهجير القسري. ووسط هذا التصعيد، تبرز مظاهر التنسيق والتكامل بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، الذين يشنون هجمات منظمة على القرى الفلسطينية، تحت حماية قوات الاحتلال في بعض الأحيان، ما يُشكّل ضغطًا مركبًا على السكان المحليين ويدفعهم للهجرة أو التخلي عن أراضيهم.
إسرائيل لا تخفي أطماعها في ابتلاع الضفة الغربية، بل تُحوّل تلك الأطماع إلى سياسات ممنهجة، تتدرج بين التوسيع الاستيطاني، السيطرة القانونية، والعمليات العسكرية. وهي تراهن في ذلك على غياب الردع الدولي، والانقسام الفلسطيني، وتراجع الاهتمام العالمي بالصراع، مقابل التركيز على قضايا أخرى إقليمية ودولية.