تشهد الضفة الغربية تصعيدًا خطيرًا في وتيرة الأحداث، مع استمرار الاعتقالات اليومية، واقتحام مخيمات اللاجئين والمدن الفلسطينية، وارتفاع مستوى العنف الممارس من قبل المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي. الأحداث الأخيرة، خاصة في مخيم قلنديا، تكشف أن التصعيد ليس مجرد رد فعل عشوائي على التوترات الميدانية، بل يبدو جزءًا من خطة منظمة أوسع تستهدف إعادة رسم معالم الضفة الغربية وتكريس واقع استيطاني جديد.
قيام القوات الإسرائيلية باعتقال 11 فلسطينياً، بينهم أسرى محررون، بالإضافة إلى وضع علامات ترسيم داخل مخيم قلنديا، يثير مخاوف مشروعة بين الفلسطينيين من تكرار السيناريوهات المأساوية التي حصلت سابقًا في مخيمات جنين وطولكرم، حيث تم تنفيذ عمليات هدم وتجريف واسعة. وضع العلامات عادة ما يكون مقدمة لهدم المباني أو لتغيير البنية التحتية بطريقة تؤثر جذريًا على سكان هذه المناطق.
تقويض إقامة دولة فلسطينية
هذا التصعيد في الضفة يأتي ضمن عملية “السور الحديدي” التي أعلنتها إسرائيل، وهي ليست مجرد عملية عسكرية بل تبدو بمثابة مشروع متكامل لإعادة فرض السيطرة الأمنية والسياسية الكاملة على الضفة، وربما تقويض أي أمل مستقبلي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة. استهداف مخيمات اللاجئين، والتي تعتبر رمزًا لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، يفتح المجال أمام فرض وقائع ديمغرافية جديدة، تدفع السكان نحو النزوح القسري وتُضعف البنية الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني.
في موازاة هذا التصعيد، تشير تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى أن المستوطنين أصبحوا أكثر عنفًا وتنظيمًا، مستغلين انشغال العالم بالحرب في غزة لتنفيذ اعتداءات ممنهجة على القرى والمزارع الفلسطينية. حماية الجيش والشرطة الإسرائيلية لهؤلاء المستوطنين تمنحهم ضوءًا أخضر لمزيد من العنف، وتخلق واقعًا جديدًا من التهجير القسري للفلسطينيين في مناطق متفرقة من الضفة.
التوسع الاستيطاني
السؤال حول ما إذا كانت إسرائيل تخطط لإنهاء القضية الفلسطينية، فالتصرفات على الأرض تشير إلى محاولة جادة لفرض تسوية أحادية الجانب للصراع. من خلال التوسع الاستيطاني، وتقويض السلطة الفلسطينية، وتصعيد العنف ضد السكان المدنيين، وإفراغ مناطق كاملة من سكانها الأصليين، يبدو أن إسرائيل تسعى لخلق واقع لا يمكن معه الحديث عن حل الدولتين بشكل جاد. الضفة تتحول تدريجيًا إلى كانتونات مفككة لا يمكن أن تشكل أساسًا لدولة قابلة للحياة، بينما يتم تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي للشعب الفلسطيني.
التحركات الإسرائيلية تشير إلى استراتيجية طويلة المدى، لا تقتصر فقط على ردع العمليات المسلحة أو فرض الأمن، بل تمتد إلى إعادة صياغة الجغرافيا والديموغرافيا في الضفة بما يخدم المشروع الاستيطاني، ويُنهي فعليًا الطموحات الوطنية الفلسطينية تحت ضغط مستمر من العنف والتهجير والحصار الاقتصادي.
الوضع الراهن ينذر بانفجار أكبر في الضفة، خاصة مع غياب أفق سياسي حقيقي، واستمرار تجاهل المجتمع الدولي لمعاناة الفلسطينيين. وإذا استمر هذا التصعيد دون تدخل دولي فاعل، فإن خطر الانزلاق إلى حالة من الفوضى الشاملة يصبح أكثر واقعية من أي وقت مضى.