الوضع في الضفة الغربية لم يعد مجرد “توتر أمني” متصاعد كما تحاول بعض الجهات توصيفه، بل هو جزء لا يتجزأ من مشروع استيطاني وعسكري إسرائيلي ممنهج، يترافق مع حالة من الفوضى الأمنية والسياسية المتزايدة داخل المدن والمخيمات الفلسطينية. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكثر من 90 يوماً، تتصاعد في الضفة عمليات الاقتحام، القتل، والاعتقال، بالتوازي مع اعتداءات المستوطنين التي أخذت طابعاً شبه عسكري، في ظل تواطؤ رسمي من جيش الاحتلال.
السلاح الفلسطيني غير المنظم
تواجه السلطة الفلسطينية تحديات كبيرة لضبط الأمن في مدن مثل نابلس أو جنين، بسبب انتشار الفصائل المسلحة التي تنفذ أجندة محددة هدفها تقويض جهود السلطة، وإضعافها أمام الشارع الفلسطيني.
من جهة أخرى، لا يمكن فصل التصعيد الإسرائيلي في الضفة عن استراتيجية أوسع تستهدف إعادة هندسة الوجود الفلسطيني. الاحتلال يستغل وجود السلاح الفلسطيني غير المنظم ـ والذي يُصور على أنه تهديد للأمن الإسرائيلي ـ لتبرير جرائمه، من اجتياح مخيمات إلى قتل الأطفال، كما حدث في بلاطة، أو منع إسعاف الجرحى كما في طولكرم، أو قصف المنازل وتفجيرها، كما في العديد من العمليات الأخيرة.
سياسات التطهير البطيء
الخطير في هذا السياق أن الاحتلال لا يفرّق في استهدافه بين مسلح ومدني، ويستخدم الفصائل المسلحة كذريعة لممارسة سياسات التطهير البطيء: تهجير، ترويع، وتهشيم للحياة المدنية. هذه السياسة تدفع نحو مزيد من التصعيد وتفتح الباب أمام تحوّل الضفة الغربية إلى ساحة مفتوحة لمواجهة دموية واسعة، ربما تكون أكثر تعقيدًا من غزة، نظرًا لتركيبتها الجغرافية والسكانية.
أما المستوطنون، فقد باتوا اليوم جزءاً من الجهاز الأمني الإسرائيلي، بل ويمارسون العنف تحت حماية رسمية، كما ظهر في أحداث الأغوار الشمالية. هذا الانفلات يعزز مفهوم “الميليشيا الاستيطانية” التي تعمل تحت غطاء الدولة وتنفذ عمليات إجرامية ضد المدنيين الفلسطينيين، في مشهد يذكّر بأننا لسنا أمام دولة تحاول فرض الأمن، بل أمام مشروع استعماري توسّعي، يتغذّى على الفوضى.