في سابقة قانونية وأمنية قد تُحدث تحولاً جوهرياً في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع ميليشيا الحوثي، أعلنت السلطات الألمانية عن إلقاء القبض على أحد عناصر الجماعة داخل أراضيها، وذلك بتهمة ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.
هذه الخطوة جاءت نتيجة تعاون استخباراتي مكثف، وتعكس إدراكاً متزايداً في أوروبا بخطورة الحوثيين كمنظمة إرهابية تتجاوز الحدود اليمنية، وتشكّل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي والدولي.
يرى مراقبون أن هذه الحادثة تمهّد لمسار قانوني جديد في التعامل مع قيادات الحوثي، قد يشمل إصدار مذكرات توقيف دولية وتوسيع نطاق الملاحقات القضائية في عدد من الدول الأوروبية.
العالم لم يعد يتساهل مع أدوات المشروع التخريبي
علّق وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، على الخطوة الألمانية بالقول إن “الميليشيا الحوثية لم تعد قادرة على التخفي خلف شعارات زائفة”، مؤكداً أن العالم بات يرى فيها امتداداً واضحاً لمشروع تخريبي مدعوم من إيران.
وأضاف الإرياني أن الإجراءات الأوروبية هي بمثابة “اعتراف صريح بالطبيعة الإرهابية للجماعة”، مشدداً على أن صمت المجتمع الدولي في السنوات الماضية شجّع الحوثيين على ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الشعب اليمني، من تجنيد الأطفال إلى قصف الأحياء السكنية والبنى التحتية.
إجراءات أمنية مشددة داخل الجماعة
في صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها الميليشيا، أفادت مصادر محلية بأن قيادة الحوثيين بدأت باتخاذ تدابير أمنية مشددة عقب أنباء الملاحقة الدولية.
وتشمل هذه الإجراءات تغييرات في مواقع الإقامة، واستخدام هويات مزوّرة، بالإضافة إلى تخفيف الظهور العلني في المناسبات العامة، في محاولة للحد من احتمالات الاستهداف أو الاعتقال أثناء السفر أو المشاركة في فعاليات دولية.
وتشير هذه التدابير إلى تنامي الشعور بالقلق داخل الجماعة من تغير قواعد اللعبة، وتحول العالم من التنديد السياسي إلى التحرك القانوني.
المراكز الصيفية.. منابر للتجنيد الإرهابي
في سياق متصل، تتصاعد التحذيرات من استخدام الحوثيين للمراكز الصيفية – التي تُقام سنوياً في المدارس والمساجد – كغطاء لتجنيد الأطفال والمراهقين في صفوفهم.
وتقول تقارير يمنية إن آلاف الطلبة يُخضعون لبرامج تعبئة فكرية وطائفية، ويتلقون تدريبات عسكرية أولية، ما يهدد بنشوء جيل جديد من “المقاتلين المؤدلجين”، ويُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات حماية الطفولة.
وطالب نشطاء حقوقيون بضرورة تصنيف هذه الأنشطة ضمن الجرائم التي يجب محاسبة قادة الجماعة عليها.
تحركات دولية متصاعدة لكبح الحوثي
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الإجراءات الدولية ضد الميليشيا. فقد فرضت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات جديدة على شخصيات وشركات مرتبطة بالحوثيين، متهمة إياهم بزعزعة الاستقرار الإقليمي وتهديد الملاحة في البحر الأحمر.
وعلى الجانب الأوروبي، عبّرت عدة عواصم عن استيائها من الاعتداءات الحوثية على السفن التجارية، والتي اعتُبرت تهديداً مباشراً للتجارة العالمية. هذا الضغط المتزايد يُرجّح أن يؤدي إلى إدراج الجماعة ضمن قوائم الإرهاب الأوروبية، مما سيُقيّد حركتها مالياً ودبلوماسياً.
دعوات لتجفيف منابع التطرف الحوثي
دعا الوزير الإرياني المجتمع اليمني إلى مواجهة هذه المرحلة الحساسة بمسؤولية، مطالباً العائلات بعدم إرسال أبنائهم إلى المراكز الصيفية الحوثية التي تُستخدم، حسب قوله، كـ”مفارخ للإرهاب”.
كما حثّ المتعاونين مع الجماعة على مراجعة مواقفهم، محذراً من أن “العدالة باتت تطال كل من يشارك في مشروع القتل والدمار”.
وأكد أن المسار الدولي للمحاسبة لن يقتصر على القادة، بل قد يمتد إلى الجهات التي تسهّل أو تموّل أو تغض الطرف عن ممارسات الحوثيين.
أوروبا تبدأ.. والعالم يتجه للمحاسبة
تشير المعطيات الحالية إلى أن التعامل الدولي مع الحوثيين بات يتجاوز منطق الإدانات السياسية، ويتجه نحو مسار قانوني رادع قد يفضي إلى محاكمات دولية شبيهة بتلك التي طالت قادة الحروب في البلقان ورواندا.
ويبدو أن القناعة تتبلور بأن تحييد خطر الحوثيين لا يمكن أن يتحقق فقط من خلال الحرب أو الضغط السياسي، بل أيضاً من خلال سحب الشرعية عنهم، وملاحقة قادتهم كمجرمي حرب أمام المحاكم الأوروبية والدولية.
وبينما بدأت ألمانيا الخطوة الأولى، يتوقع مراقبون أن تنضم دول أخرى قريباً، ضمن تحالف دولي قانوني يسعى لتجفيف منابع الإرهاب الحوثي، ومحاسبة من يقف خلفه، أياً كان موقعه أو جنسيته.