وسط أجواء سياسية حساسة، وفي توقيت بالغ الأهمية، أكدت بغداد حرصها على تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، خاصة في مجالات الاقتصاد والطاقة، في موقف يُعد بمثابة مراجعة للخطاب العراقي الرسمي الذي أبدى في الأيام السابقة اعتراضه الواضح على العقود النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع شركات أميركية من دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية.
السوداني يفتح الباب أمام الاستثمار الأميركي
في العاصمة الأميركية واشنطن، وخلال لقاء جمعه بالسيناتورين الأميركيين آنغس كينغ وجيمس لانكفورد، عبّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن رغبة بلاده في توسيع دائرة التعاون مع الولايات المتحدة، مؤكداً على أهمية تطوير العلاقات في قطاعات حيوية مثل الاقتصاد والطاقة والثقافة.
أكد السوداني أن حكومته “اتخذت خطوات حاسمة في قطاع النفط والغاز”، مشيراً إلى تحقيق “إنجازات مهمة من شأنها تعزيز التعاون مع الشركات الأميركية وجذب الاستثمارات في هذا المجال”، بحسب بيان صادر عن مكتبه.
من الاعتراض إلى ضبط النفس: بغداد تُغيّر نغمتها
العقود التي وقعتها أربيل مؤخراً مع شركات أميركية – والتي تُقدّر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات – أثارت حفيظة الحكومة الاتحادية في البداية، لا سيما أنها وُقّعت دون إشراف مباشر من بغداد. غير أن نبرة الرفض الرسمية هدأت لاحقاً، لتتحول إلى دعوة إلى “الالتزام بالدستور”، خصوصاً في ما يتعلق بتوزيع الصلاحيات والسياسات السيادية الخاصة بالطاقة.
ويرى مراقبون أن هذا التراجع في اللهجة الرسمية العراقية يعكس إدراك بغداد لحساسية المرحلة، والحاجة إلى تجنّب الصدام مع شركاء دوليين في توقيتٍ تسعى فيه لتعزيز حضورها الاقتصادي على الساحة العالمية.
الملف الكردي: شراكة أم ازدواجية في العلاقات الخارجية؟
العلاقة بين بغداد وأربيل لطالما شابها التوتر، خاصة في الملفات السيادية مثل النفط والطاقة. ولكن توقيع إقليم كردستان عقوداً ضخمة في واشنطن أثار تساؤلات عن مدى انسجام السياسات الخارجية العراقية، ومدى التزام الإقليم بسقف الدولة العراقية.
رغم ذلك، تجنبت بغداد هذه المرة المواجهة المباشرة، في ما يبدو أنه رغبة في المحافظة على وحدة الصف السياسي الداخلي، وتجنب تحويل الخلافات إلى عناوين توتر في علاقاتها مع واشنطن.
الرهان على الاقتصاد: هل تنجح بغداد في جذب المستثمر الأميركي؟
السوداني، الذي يتبنى خطاباً اقتصادياً طموحاً، يدرك أن أي نجاح في علاقته بواشنطن يجب أن يمر عبر بوابة الاقتصاد. وفي ظل تحديات داخلية كبرى – من بطالة وبنية تحتية متراجعة واعتماد مفرط على النفط – فإن استقطاب الاستثمارات الأميركية بات خياراً استراتيجياً وليس ترفاً.
إلا أن هذا الرهان يتطلب بيئة قانونية مستقرة، ومناخاً سياسياً لا تطغى فيه الانقسامات بين المركز والإقليم، وهي معادلة تبدو حتى الآن غير مكتملة النضج.
واشنطن: رسائل مزدوجة إلى بغداد وأربيل؟
زيارة السيناتورين كينغ ولانكفورد ولقاؤهما بالسوداني لم تأتِ من فراغ. ففي الوقت الذي تنفتح فيه واشنطن على حكومة الإقليم من بوابة الاستثمارات، لا تُغلق الباب أمام بغداد، بل تحرص على تعزيز الحوار المباشر معها، ما يُشير إلى سعي أميركي لتحقيق توازن في العلاقة مع الطرفين، دون المساس بوحدة العراق الرسمية.
نحو خارطة طريق جديدة؟
قد تكون واشنطن نقطة تحول في العلاقة بين بغداد وأربيل من جهة، وبين العراق والولايات المتحدة من جهة أخرى. فالتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الحكومة العراقية تفرض ضرورة بناء شراكات قوية، تستند إلى المصالح المشتركة لا الصدامات العابرة.