في تصعيد دبلوماسي لافت وسط التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، أعلن العراق تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، متهمًا إسرائيل بانتهاك سيادته من خلال استخدام مجاله الجوي في تنفيذ غارات على مواقع داخل إيران.
وتمثل الشكوى العراقية أول تحرك عربي مباشر ضد الهجوم الإسرائيلي، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمي مفتوح.
خرق للسيادة.. وانتهاك للقانون الدولي
وزارة الخارجية العراقية أصدرت بيانًا شديد اللهجة أكدت فيه أن “قيام الكيان الإسرائيلي بخرق الأجواء العراقية واستخدامها في تنفيذ اعتداءات عسكرية يمثل انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتجاوزًا غير مقبول لسيادة الدولة العراقية”.
وأضاف البيان أن الحكومة طالبت مجلس الأمن “باستخدام صلاحياته لردع إسرائيل ومنعها من تكرار مثل هذه الانتهاكات، وضمان احترام سلامة الأراضي العراقية والمساهمة في استقرار المنطقة”.
إغلاق المجال الجوي العراقي وتحذيرات أمنية
بالتزامن مع تقديم الشكوى، أعلنت الحكومة العراقية فجر الجمعة إغلاق المجال الجوي وتعليق كافة الرحلات الجوية داخل البلاد، في إجراء احترازي عقب الهجوم الإسرائيلي المكثف الذي استهدف منشآت نووية وعسكرية إيرانية.
ووفق مصادر أمنية عراقية تحدثت لوكالة الصحافة الفرنسية، سقطت ثلاثة صواريخ على الأراضي العراقية منذ فجر الجمعة: أحدها في محافظة ديالى دون أن ينفجر، فيما تسبب الآخران في محافظة ذي قار الجنوبية بإحداث حفرتين بعمق أربعة أمتار، دون تسجيل خسائر بشرية.
السيستاني يندد: جريمة يجب ألا تمرّ
أدان المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله علي السيستاني، الهجوم الإسرائيلي واصفًا إياه بـ”الجريمة التي ارتكبها الكيان المحتل لفلسطين”، ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم للضغط على إسرائيل وداعميها “لمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات”.
وأضاف السيستاني في بيانه: “إن الصمت عن هذا العدوان سيشجع على انتهاك سيادات أخرى، ويهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها”.
هجوم إسرائيلي هو الأوسع.. وردّ إيراني مرتقب
أعلن الجيش الإسرائيلي أن الضربات الجوية نُفذت بتوجيه مباشر من القيادة السياسية، واستهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ ومراكز عسكرية داخل العمق الإيراني. وأكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن العملية “تهدف إلى شلّ قدرات إيران النووية والعسكرية، ومنعها من تهديد أمن إسرائيل والمنطقة”.
في المقابل، توعّد المرشد الإيراني علي خامنئي بالرد “برد ساحق يجعل إسرائيل تندم”، مؤكدًا في رسالة موجهة إلى الشعب الإيراني أن “العدوان لن يمر دون عقاب مؤلم”.
من حرب الظل إلى المواجهة المفتوحة
يمثل الهجوم الإسرائيلي الأخير نقطة تحول غير مسبوقة في الصراع الممتد بين تل أبيب وطهران، حيث انتقل من عمليات استخباراتية وتفجيرات واغتيالات إلى صراع عسكري مفتوح وواسع النطاق. هذه المرة، تجاوزت المواجهة إطار الحرب غير المعلنة، وامتدت لتشمل أراضي دول مجاورة، وعلى رأسها العراق.
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب علّق على العملية الإسرائيلية واصفًا إياها بـ”التحرك المثالي”، مشيرًا إلى أن إسرائيل انتظرت حتى انتهاء مهلة الستين يومًا التي منحتها لإيران للوصول إلى اتفاق نووي، مضيفًا أن المهلة انتهت يوم الخميس.
في الوقت نفسه، تتسارع التحركات والاتصالات بين العواصم الإقليمية، في محاولة لاحتواء الموقف ومنع انزلاق الأمور إلى حرب شاملة قد تخرج عن السيطرة وتعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط.
هل تُسمع شكوى بغداد في نيويورك؟
يبقى السؤال المطروح الآن: هل سيتفاعل مجلس الأمن الدولي مع شكوى بغداد بما يكفل ردع الاعتداءات على سيادة الدول؟ أم أن الواقع الجيوسياسي وتعقيد المصالح الدولية سيجعل العراق مرة أخرى ساحة صامتة لانفجارات الآخرين؟
حتى تتضح الإجابة، يبقى العراقيون ينظرون إلى السماء المغلقة، بقلق من أن تكون الأرض التي دفعت أثماناً باهظة للحروب، على موعد مع موجة جديدة من التصعيد الدولي على أراضيها.