واصلت روسيا تصعيد هجماتها الجوية على الأراضي الأوكرانية، مستهدفة مناطق مأهولة بالسكان في جنوب البلاد، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين، بينهم أطفال. ففي منطقة زابوريجيا، أعلنت السلطات المحلية مقتل طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات وإصابة صبي آخر، إثر قصف روسي بقنابل جوية موجهة استهدف حيًّا سكنيًا، ما أسفر عن تدمير منزل وتضرر منازل أخرى مجاورة.
وقال إيفان فيدوروف، رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية في زابوريجيا، إن الهجوم لم يكن عشوائيًا بل استهدف مناطق سكنية بشكل مباشر، وهو ما يسلط الضوء على استمرارية النهج الروسي في ضرب البنية التحتية المدنية رغم الإدانة الدولية.
وفي مدينة خيرسون، الواقعة على الضفة الغربية لنهر دنيبرو، أسفر هجوم منفصل عن مقتل رجل يبلغ من العمر 66 عامًا، حسب ما أعلنه حاكم المنطقة، أوليكساندر بروكودين. وفي خاركيف، أكبر مدن الشرق الأوكراني، أُصيب شخص واحد نتيجة غارة نفذتها طائرة مسيّرة روسية، وفق إفادة رئيس البلدية.
هجمات مضادة بطائرات مسيرة: أوكرانيا تضرب في الداخل الروسي
في المقابل، لم تمرّ الليلة بهدوء على الأراضي الروسية، إذ أفاد ألكسندر خينشتاين، القائم بأعمال حاكم منطقة كورسك، أن طائرات مسيرة أوكرانية هاجمت أهدافًا داخل المنطقة، ما أدى إلى إصابة عشرة أشخاص بجروح متفاوتة. وتأتي هذه الهجمات في إطار الاستراتيجية الأوكرانية القائمة على الرد بالمثل وتوسيع نطاق الردع ليشمل العمق الروسي، خصوصًا المناطق الحدودية.
هذه التطورات العسكرية تزامنت مع تصاعد التحذيرات في الشمال الشرقي لأوكرانيا، حيث أصدرت السلطات في منطقة سومي أوامر إخلاء إلزامي لـ11 قرية حدودية مع روسيا. القرار، بحسب بيان إدارة المنطقة، جاء نتيجة “التهديد المستمر لحياة المدنيين جراء القصف المتكرر”، ووسط مؤشرات على حشود عسكرية روسية قد تمهد لهجوم بري جديد.
تقدم روسي ميداني وتأكيدات غير محققة
وفي ظل الضبابية الميدانية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، عبر وكالة “ريا نوفوستي”، أنها سيطرت على قريتين جديدتين، إحداهما في منطقة دونيتسك (نوفوبيل) والأخرى في منطقة سومي (فودولاجي). ولم يتسنّ لوكالة رويترز التحقق من صحة هذه المزاعم بشكل مستقل، ما يعكس استمرار الحرب الإعلامية المتزامنة مع العمليات العسكرية.
التقدم الروسي في هذه الجبهات، إن ثبت، يعكس استراتيجية موسكو بالضغط على أطراف متعددة من الجبهة في محاولة لتشتيت القوات الأوكرانية، خصوصًا في ظل استنزاف طويل المدى طال البنية الدفاعية في كثير من المحاور.
مساعٍ دبلوماسية متعثرة: زيلينسكي يربط التهدئة بالضمانات
في خضم التصعيد العسكري، عاد الملف السياسي إلى الواجهة، مع إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه أبلغ نظيره التركي رجب طيب أردوغان بأن وقف إطلاق النار ضرورة أساسية للبدء بأي عملية سلام فعلية. وأوضح زيلينسكي أن “قتل الناس يجب أن يتوقف”، مشيرًا إلى أن أي اجتماع دولي لا يمكن أن يكون بلا جدوى، في إشارة إلى محاولات تنظيم قمة رباعية تضم أوكرانيا وروسيا وتركيا والولايات المتحدة.
وعبر منشور له على منصة “إكس”، اتهم زيلينسكي موسكو بإفشال التحضيرات الجارية للقمة المقررة في إسطنبول في الثاني من يونيو، قائلاً إن روسيا “تفعل كل ما بوسعها لضمان ألا تُسفر المحادثات عن أي نتائج”.
محادثات إسطنبول: ضغوط متبادلة وشروط غير متطابقة
ورغم الضغوط الروسية والأمريكية للجلوس على طاولة التفاوض، أبدت كييف حذرًا واضحًا، مؤكدة أنها لا تمانع الدخول في محادثات جديدة، لكنها تنتظر أولاً تسلم مذكرة رسمية من الجانب الروسي توضح شروطه ومقترحاته للحل. وتعدّ كييف هذا شرطًا أساسيًا لتفادي الدخول في مفاوضات عبثية أو محكومة بفشل مسبق.
في المقابل، اقترحت موسكو جولة مباشرة من المحادثات في إسطنبول الأسبوع المقبل، في خطوة يبدو أنها تسعى من خلالها إلى إظهار الانفتاح الدبلوماسي أمام العالم، لكنها، بحسب كييف، لم تقدّم حتى الآن ما يثبت جديتها.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا من جانبه الطرفين إلى “العمل معًا” لإنهاء الحرب، في تصريح يحمل نبرة توفيقية، لكنه لم يترافق مع ضغط واضح على موسكو لتقديم تنازلات حقيقية أو وقف دائم للعمليات العسكرية.
نهاية مفتوحة: معادلة ميدانية معقدة وسلام مؤجل
الواقع الحالي في الحرب الأوكرانية يعكس مشهدًا معقدًا يتداخل فيه التصعيد العسكري مع مساعٍ دبلوماسية غير ناضجة. فمع سقوط المزيد من الضحايا المدنيين وتقدم القوات الروسية على بعض الجبهات، تبدو أوكرانيا في وضع دفاعي صعب لكنها ما زالت متمسكة بشروطها الاستراتيجية: وقف النار أولًا، وضمانات دولية واضحة ثانيًا، قبل الخوض في أي اتفاق سلام طويل الأمد.
أما موسكو، فتستمر في المناورة ميدانيًا وسياسيًا، مدعومة بحالة من الغموض الدولي والتفاوت في مواقف القوى الكبرى. وفي ظل هذا الانقسام، تبقى المبادرات مجرد محاولات متكررة لكسر الجمود دون أن تنجح فعليًا في تغييره.