منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تشهد غزة واحدة من أكثر الحملات العسكرية دموية في تاريخها، حيث أشارت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن إسرائيل تقتل يومياً ما يعادل صفاً دراسياً كاملاً من الأطفال، أي ما يتراوح بين 35 إلى 45 طفلاً في اليوم الواحد. هذا الرقم لا يعكس فقط حجم الكارثة الإنسانية، بل يُجسّد أيضاً مستوى العنف المستمر الذي يتعرض له المدنيون، وعلى وجه الخصوص الفئة الأضعف في المجتمع: الأطفال.
دلالات مؤلمة
إن التصريح الصادر عن مدير شؤون أونروا في غزة، سام روز، يحمل دلالات مؤلمة تشير إلى أن ما كان في السابق رمزاً للتعلم والأمل – الصف الدراسي – أصبح وحدةً لقياس الموت في قطاع غزة. هذا التحول المفجع يسلط الضوء على حجم الخسائر البشرية ويضع أمام العالم مشهداً مرعباً لما تعنيه الحرب اليومية للأطفال في القطاع المحاصر.
قبل الحرب، كان الصف الدراسي في مدارس أونروا يعاني من الاكتظاظ، إذ يتراوح عدد الطلاب فيه بين 35 إلى 45، ما يعكس بالفعل التحديات الهيكلية التي تواجه قطاع التعليم في غزة. لكنّ ما يحدث الآن فاق حدود الكارثة، إذ تحوّلت المدارس نفسها من مؤسسات للتعليم إلى ملاجئ للنازحين، بينما تحوّل الأطفال إلى أهداف في صراع لا يرحم، يدفعون فيه ثمن فشل المجتمع الدولي في فرض حماية فعلية للمدنيين.
حرمان الأطفال من مقومات الحياة
وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، تجاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا خلال هذه الفترة 18 ألفاً، ووصل عدد الجرحى من الأطفال الذين نُقلوا إلى المستشفيات إلى 16,854. هذه الأرقام تُبيّن أن الاستهداف لم يكن عرضياً أو محصوراً بمناطق الاشتباك، بل يكشف عن نمط ممنهج في القتل الجماعي ضد الفئات غير المقاتلة. وهو ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى استخدام مصطلحات مثل “إبادة جماعية” لوصف ما يجري.
الوضع الإنساني للأطفال في غزة لا يقتصر على الخطر الجسدي فقط، بل يمتد إلى المعاناة النفسية والمعيشية. فموجات النزوح المتكررة التي دفعت مئات الآلاف إلى ترك منازلهم، إلى جانب سياسة الحصار الإسرائيلي وتدمير البنية التحتية، تسببتا في حرمان الأطفال من الحد الأدنى من مقومات الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والرعاية الطبية. الأطفال في غزة لا يعانون فقط من الحرب، بل يعيشون في ظل واقع يومي يتسم بالخوف والجوع والعطش، وهو ما يهدد ليس فقط حياتهم الآنية، بل مستقبلهم على المدى الطويل.
تداعيات الحرب
في بيان سابق في 8 تموز/يوليو الجاري، شددت أونروا على أن الأطفال يشكّلون نصف سكان القطاع الذي يضم حوالي 2.4 مليون نسمة، ما يعني أن تداعيات الحرب الحالية تؤثر بشكل مباشر على النسيج المجتمعي بكامله، إذ تتعرض جيلٌ كامل من الأطفال للدمار الجسدي والنفسي الذي قد يستمر أثره لعقود قادمة.
الواقع أن ما يجري في غزة لم يعد مجرد أزمة إنسانية، بل أصبح مأساة أخلاقية واختباراً قاسياً للضمير العالمي. إن الصمت الدولي، أو الاكتفاء بالإدانات الدبلوماسية دون اتخاذ خطوات عملية للضغط من أجل وقف الأعمال العسكرية وحماية المدنيين، يزيد من عمق الجرح الفلسطيني. ففي كل يوم يتأخر فيه المجتمع الدولي عن التحرك، يُمحى فصل جديد من حياة أطفال غزة، ويُدفن المزيد من الأمل في مستقبل آمن لهم.