ادعاء إسرائيل بأن حركة «حماس» ترفض أي مقترح يتضمّن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار في قطاع غزة، كما ورد عبر قناة “آي 24 نيوز”، يُعَد تطورًا جديدًا في تعقيد المشهد السياسي والإنساني في المنطقة، وهو جزء من سردية إسرائيلية تهدف إلى تحميل الطرف الفلسطيني كامل المسؤولية عن استمرار الحرب. هذه التصريحات تأتي في وقتٍ يعاني فيه القطاع من كارثة إنسانية غير مسبوقة، ويزداد فيه الضغط الدولي لإيجاد مخرج سياسي يُنهي النزيف الحاصل منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
وفق الرؤية الإسرائيلية، فإن رفض «حماس» لمقترحات التهدئة يُبرّر استمرار العمليات العسكرية، ويضعف موقف الحركة دوليًا. لكن من المهم فهم أن هذا الخطاب يُستخدم أيضاً كأداة سياسية، تهدف إلى تعزيز موقف الحكومة الإسرائيلية داخليًا وخارجيًا، خصوصًا أمام ضغوط الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان التي تنتقد حجم الدمار والضحايا في غزة، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من 51 ألف فلسطيني، نسبة كبيرة منهم من المدنيين.
نوايا إسرائيل
من جانبها، تؤكد حركة «حماس» – بحسب تصريحات سابقة لقادتها – أنها لا ترفض مبدأ التهدئة أو وقف إطلاق النار، بل ترفض المقترحات التي لا تضمن شروطًا إنسانية واضحة، مثل وقف دائم لإطلاق النار، انسحاب القوات الإسرائيلية، وضمان دخول المساعدات، إضافة إلى اتفاق شامل لتبادل الأسرى. وقد أبدت في مرات سابقة استعدادها للدخول في مفاوضات عبر وسطاء مثل قطر ومصر، لكنها في الوقت ذاته تُعبّر عن شكوك تجاه نوايا إسرائيل، التي كثيرًا ما تنتهك اتفاقات التهدئة، حسب وصفها.
لكن على الجانب الآخر، لا يمكن إنكار أن «حماس» أحيانًا تتعامل مع ملف التهدئة بشكل يُفهم على أنه تعنت أو مراوغة سياسية. فالحركة، وهي قوة سياسية وعسكرية غير تقليدية، تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب من خلال المفاوضات، لكنها بذلك تُعرض حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر، خصوصًا في ظل استمرار القصف وغياب الأفق السياسي. الانتقادات تتوجه إليها بأنها لم تقدّم رؤية واضحة لكيفية إنهاء الصراع، ولا تضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق أولوياتها السياسية والعقائدية دائماً.
أزمة ثقة عميقة
الموقف العام يعكس أزمة ثقة عميقة بين الطرفين: إسرائيل تدّعي أن «حماس» لا تريد تهدئة حقيقية وتستغل الأزمات للبقاء في السلطة، بينما «حماس» ترى أن إسرائيل تستخدم فكرة “وقف مؤقت لإطلاق النار” فقط كغطاء لمواصلة الحصار والهجمات لاحقًا.
النتيجة أن الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، يدفع الثمن الأكبر، وسط معاناة إنسانية تتفاقم كل يوم، وغياب واضح لأي جهة قادرة على فرض حل سياسي حقيقي يُنهي هذه الدوامة.