أظهرت القاهرة ترحيبًا لافتًا بوفد صيني رفيع المستوى زارها على مدى يومين، في إشارة بدت كما لو أنها رسالة دبلوماسية غير مباشرة موجهة إلى واشنطن. فبينما كان الوفد الصيني يجري لقاءاته في العاصمة المصرية، بدا أن الحفاوة الاستثنائية التي حظي بها تعبّر عن توجّه مصري نحو توسيع دائرة الشراكات الدولية، وإيصال رسالة مفادها أن لمصر بدائل ممكنة عن الولايات المتحدة، لا سيما في ظل ما تعتبره القاهرة تهميشًا متعمّدًا لدورها الإقليمي وتفضيل واشنطن التعامل مع شركاء آخرين، خصوصًا من دول الخليج.
لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع الوفد الصيني لم يكن محض دبلوماسية تقليدية، بل عكس سعيًا لفت انتباه الإدارة الأميركية، التي بدا منذ تولي دونالد ترامب ولايته الثانية أنها تتجنب إشراك مصر في الملفات الحيوية للمنطقة. ويعتقد مراقبون أن هذا التقارب المصري مع الصين – وقبله مع إيران – يمثل ردّ فعل على هذا التجاهل، وإن كان أقرب إلى كونه موقفًا ظرفيًا أكثر منه تحوّلاً إستراتيجياً طويل الأمد.
توتر العلاقات بين القاهرة وواشنطن ظهر بشكل جليّ بعد استبعاد مصر من رعاية مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما فسّره المصريون على أنه عقوبة على رفضهم لخطة ترامب التي تضمّنت ترحيل الفلسطينيين ضمن ترتيبات قد تؤدي إلى توطينهم في سيناء، وهو ما رفضته القاهرة بشدّة. ونتيجة لذلك، تمّ تأجيل زيارة السيسي إلى الولايات المتحدة، ولم يتم تحديد موعد للقاء بينه وبين ترامب خلال جولته الخليجية الأخيرة، في وقت استقبل فيه الرئيس الأميركي نظيره السوري أحمد الشرع، في ما اعتُبر موقفًا واضحًا من تقليص الدور المصري في ملفات المنطقة.
ورغم مؤشرات التوتر هذه، تؤكد مصادر مصرية مطلعة أن الشراكة مع الصين لا تأتي على حساب العلاقة مع الولايات المتحدة، وأن القاهرة تعتمد منذ سنوات سياسة تنويع الشركاء الإستراتيجيين، بما يعكس سعيها لتقوية حضورها الدولي من دون الارتهان إلى محور بعينه. وتشير هذه المصادر إلى أن التحركات المصرية تنطلق من قراءة واقعية للتوازنات الدولية الجديدة، التي تشهد ميلًا أميركيًا واضحًا نحو دول محددة على حساب أخرى، في سياق يعيد رسم خريطة المصالح والتحالفات الإقليمية.
المصادر ذاتها شددت على أن القاهرة لا تستهدف التصعيد أو الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، بل تسعى إلى ضبط إيقاع الشراكة معها بما يتناسب مع مصالحها الوطنية ورؤيتها الأمنية والإقليمية. فالخيارات الأميركية في المنطقة – من وجهة النظر المصرية – لا تساهم في تحقيق الاستقرار، بل تزيد من تعقيد الأوضاع، خصوصًا إذا ما تم تجاهل الأطراف التقليدية الفاعلة في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من الارتياح الذي عبّرت عنه بكين لتطوير علاقاتها مع القاهرة، فإن مصر تدرك حساسية المشهد، وتسعى للحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها بين القوتين الكبيرتين. فهي تعلم أن واشنطن تنظر بعين القلق إلى تمدد النفوذ الصيني، خصوصًا في مناطق تعتبرها واشنطن ضمن مجالها الحيوي. وفي هذا السياق، تحرص القاهرة على أن تكون رسائلها السياسية ضمنية وغير استفزازية، مع الحفاظ على نهجها القائم على الانفتاح والتنوع في العلاقات الدولية.
زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى القاهرة، ولقاؤه بالرئيس السيسي، اختُتمت بتأكيد الجانبين على تعزيز التعاون في مختلف المجالات، وتفعيل الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، في وقت تستعد فيه الدولتان للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية في العام 2026. وهو ما يعكس حرصًا مصريًا على ترسيخ تعاون متعدد الأبعاد مع بكين، دون أن يكون ذلك على حساب علاقات القاهرة التاريخية مع واشنطن.