وسط أجواء سياسية وأمنية مشحونة، أصدرت السفارة الأميركية في بغداد، اليوم الخميس، تحذيراً شديد اللهجة لرعاياها تطلب فيه الامتناع عن السفر إلى العراق “لأي سبب من الأسباب”، في خطوة أثارت تساؤلات حول دلالاتها وتوقيتها، لا سيما مع استمرار التوترات المتعلقة بالملف النووي الإيراني ومخاوف من اندلاع مواجهات عسكرية في المنطقة.
تعليق رسمي وتحركات على الأرض: المدرعات تنتشر خارج السفارة
في مشهد أثار القلق في الشارع العراقي، شوهدت مدرعات تابعة لقوات الأمن العراقية متمركزة خارج السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، ما يعكس حالة الاستنفار الأمني العالية.
وصرح مسؤول أمني عراقي، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن “الانتشار الأمني يأتي ضمن إجراءات احترازية روتينية، إلا أنه يتزامن مع تصاعد مخاوف من احتمال تنفيذ عمليات تستهدف بعثات دبلوماسية غربية في البلاد”.
بيان السفارة: تحذير من «هجمات إرهابية وأنشطة عدائية»
في بيان رسمي، أوضحت السفارة الأميركية أنها فرضت قيوداً على حركة موظفيها في العاصمة العراقية، بما في ذلك حظر استخدام مطار بغداد الدولي، مشيرة إلى «مخاوف أمنية متزايدة» وخطر وقوع «هجمات إرهابية وأنشطة أخرى عدائية».
وفي وقت لاحق، نقلت شبكة «رووداو» الكردية عن متحدث باسم السفارة الأميركية أن أوامر المغادرة تشمل الموظفين غير الأساسيين في كل من السفارة ببغداد والقنصلية العامة في أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
يأتي التحذير الأميركي في سياق إقليمي حرج، حيث أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، أن واشنطن قامت بإجلاء مجموعة من موظفيها غير الأساسيين من بعض بعثاتها في الشرق الأوسط.
من جانبها، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الولايات المتحدة في حالة «تأهب قصوى» تحسباً لضربة إسرائيلية محتملة تستهدف منشآت نووية إيرانية، وهو ما قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة في مناطق النفوذ الإيراني، مثل العراق وسوريا ولبنان.
ردود عراقية: دعوات لضبط النفس
في أول رد رسمي، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، إن العراق يرفض أن يكون ساحة لتصفية حسابات إقليمية أو دولية. وأضاف: “نحن نتابع الوضع عن كثب ونتواصل مع البعثات الأجنبية لتوفير الحماية اللازمة، لكن نؤكد أن الوضع الأمني في العراق لا يبرر هذا التصعيد الإعلامي”.
من جانبه، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، علي البياتي، إن “التحذيرات الأميركية قد تكون مرتبطة بمعلومات استخبارية حول تهديد وشيك، لكن في الوقت ذاته، لا يجب استغلال العراق كورقة ضغط في أي مفاوضات تخص المنطقة”.
رسائل متعددة وتخوف من فوضى إقليمية
يرى الدكتور رائد الحلي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد، أن التحذير الأميركي “رسالة سياسية موجهة إلى طهران بالدرجة الأولى، أكثر من كونها خطوة ميدانية بحتة”. ويضيف: “واشنطن تحاول إرسال إشارات بأنها مستعدة للرد على أي تهديد، وأن بعثاتها محمية، لكن هذا يُحمل العراق تبعات لا يتحملها”.
من جهته، اعتبر الخبير في الشؤون الاستراتيجية، حيدر العلوي، أن “الانسحاب الجزئي من العراق قد يكون خطوة تمهيدية لحدث أكبر، أو لإعادة انتشار القوات الأميركية في المنطقة استعداداً لاحتمالات عسكرية مفتوحة”.
هل العراق مقبل على مرحلة اضطراب جديدة؟
وفي ظل تراكم المؤشرات الأمنية والسياسية، تبقى التساؤلات مطروحة حول مستقبل الوجود الأميركي في العراق، ومدى تأثير أي مواجهة محتملة بين إسرائيل وإيران على الساحة العراقية. وبينما تحاول الحكومة العراقية الحفاظ على الحياد، فإن الأرضية الهشة والمشهد الإقليمي المتشابك يضعان البلاد أمام منعطف خطير.