سجلت وزارة الصحة في ولاية الخرطوم خلال يومين فقط وفاة 70 شخصًا جراء تفشي وباء الكوليرا، في وقت تجاوز فيه عدد الإصابات الألفين، ما يضع العاصمة السودانية أمام كارثة صحية متصاعدة تأتي على وقع حرب أنهكت البلاد منذ أكثر من عامين.
الوباء الذي يعصف بالخرطوم لا يمكن فصله عن آثار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي حولت المدينة إلى ساحة قتال مفتوحة، دمّرت فيها البنية التحتية، وحرمت السكان من المياه والكهرباء، وأغلقت معظم المستشفيات والمرافق الطبية. وفي ظل هذه الظروف، تجد الكوليرا طريقها للانتشار السريع وسط سكان يعانون أصلاً من سوء التغذية وانعدام النظافة.
مياه مقطوعة وبيئة ملوثة
وفقًا لبيان وزارة الصحة، فإن 1177 إصابة و45 وفاة سُجّلت الثلاثاء، تلتها 942 إصابة و25 وفاة الأربعاء، وهي أرقام صادمة بالنظر إلى قدرة النظام الصحي شبه المنهار على الاستجابة. ويعزو مسؤولو الصحة هذه الزيادة المفاجئة إلى موجة من الضربات بالطائرات المسيّرة، نُسبت إلى قوات الدعم السريع، استهدفت محطات الكهرباء ومرافق المياه، ما أدى إلى حرمان أحياء واسعة في العاصمة من الخدمات الأساسية، وخلق بيئة خصبة لانتقال الأمراض المعدية.
وفي وقت تبدو فيه الخرطوم عاجزة عن احتواء الأزمة، لا تزال المعارك السابقة تلقي بظلالها الثقيلة. فقد شهدت المدينة خلال العامين الماضيين موجات عنف مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، أفضت إلى تشريد الملايين، وإغلاق ما يقارب 90% من المستشفيات بحسب نقابة الأطباء، فيما تعرّضت منشآت طبية أخرى للاقتحام والنهب والقصف.
بعد الانسحاب العسكري… أزمة لا تنتهي
رغم إعلان الحكومة المدعومة من الجيش، الأسبوع الماضي، إخراج قوات الدعم السريع من آخر مواقعها في ولاية الخرطوم، إلا أن آثار المعارك لا تزال حاضرة بقوة. المدينة، التي توصف اليوم بـ”المنكوبة”، باتت تفتقد أدنى مقومات السلامة الصحية، في ظل غياب رقابة مركزية فاعلة، واستمرار الانهيار الإداري والمؤسسي.
ما يجري في الخرطوم اليوم ليس مجرد أزمة صحية عابرة، بل يمثل إحدى النتائج المباشرة لانهيار الدولة في ظل حرب بلا أفق. فالكوليرا، وهي مرض يمكن احتواؤه بسهولة في ظروف طبيعية، باتت اليوم مرآة لعجز السلطة، وفشل النظام الصحي، وخذلان المجتمع الدولي، الذي لم يتعامل مع الكارثة السودانية بجدية تتناسب مع حجم المأساة.
مع تفاقم عدد الضحايا، تُطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الخرطوم، وقدرتها على التعافي، لا من الوباء فقط، بل من جراح حرب أهلكت البشر والحجر، وجعلت من الموت الجماعي جزءًا من الروتين اليومي في مدينة كانت يومًا ما قلب السودان النابض.