في مشهد يعكس الكلفة القاسية للحروب، اجتاح وباء الكوليرا مناطق واسعة من السودان، ليكشف عن هشاشة النظام الصحي، ويضاعف من معاناة المواطنين الذين يرزحون تحت ثقل أزمة إنسانية متفاقمة.
بحسب وزارة الصحة، تجاوز عدد الإصابات 2700 حالة، 90% منها في العاصمة الخرطوم، بينما حصد المرض أرواح 172 شخصاً خلال أسبوع واحد فقط، في ظل غياب شبه تام للمرافق الصحية.
الكهرباء والماء.. ضحايا المعارك
السبب الأبرز لتفشي الوباء هو تلوث مصادر المياه، نتيجة توقف محطات الضخ بعد استهداف محطات الكهرباء عبر الطيران المسيّر لقوات الدعم السريع. هذا الانقطاع دفع المواطنين إلى التزود بالماء من النيل، المليء بالجثث المتحللة، أو من آبار مهجورة لم تخضع للتعقيم منذ شهور.
في مدينة أم درمان، المستشفى الوحيد الذي لا يزال يعمل (مستشفى النو) يواجه ضغطاً هائلاً. عشرات المرضى يفترشون الممرات وظلال الأشجار، في ظل نقص حاد في المحاليل الوريدية، والأدوية، والكوادر الطبية، ما يهدد بتحول الكوليرا إلى كارثة وبائية شاملة.
نظام صحي منهك.. ومناشدات للإنقاذ
اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان أطلقت نداءً عاجلاً للتدخل، محذّرة من انهيار كامل للقطاع الصحي في حال استمرار الوضع الراهن. وطالبت منظمات دولية مثل الصحة العالمية وأطباء بلا حدود بدعم الجهود المحلية لكبح انتشار المرض.
تفاقم انتشار الوباء ترافق مع مشاهد مروّعة، إذ أشار متطوعون إلى العثور على جثث متحللة في الشوارع، داخل المنازل، وحتى في صناديق وآبار المياه، ما أدى إلى تسمم المياه وانتقال العدوى بسرعة كبيرة.
مبادرات أهلية في وجه الموت
رغم الفوضى، نشط متطوعون في إطلاق حملات تحت شعار “دعونا نكافح الكوليرا”، شملت حملات توعية، نقل المصابين، وتوفير الأكفان ودفن الموتى. كما عملت فرق تطعيم ميدانية على احتواء انتشار المرض، رغم شح الإمكانيات.
في محاولة لكبح جماح الوباء، طالبت الجهات الصحية بتطهير الأماكن العامة، إغلاق الأسواق العشوائية، وقف بيع الأطعمة المكشوفة، ومنع نقل المياه بوسائل غير صحية. غير أن ضعف الإمكانيات يعيق تنفيذ هذه التوصيات.
مع بداية موسم الخريف، تُنذر الأوضاع البيئية بمزيد من التعقيد، إذ تزداد فرص انتشار نواقل الأمراض في بيئة ملوثة بالنفايات والجثث، في وقت تفتقر فيه البلاد إلى البنية الأساسية للصرف الصحي ومكافحة الأوبئة.
الطوارئ أصبحت ضرورة وطنية
خبراء الصحة وأطباء من داخل المستشفيات طالبوا بإعلان حالة الطوارئ، مؤكدين أن المرض تمدد إلى ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض وكسلا، ما يجعل الأزمة ذات طابع قومي لا يقتصر على الخرطوم وحدها.
تفشي الكوليرا في السودان لم يكن مجرد حادثة صحية، بل هو نتيجة مباشرة لانهيار البنية التحتية، وتوقف الخدمات الأساسية في بلد تمزقه الحرب. والكارثة مرشحة للتفاقم إذا لم يتم التدخل العاجل من المجتمع الدولي، واحتواء الأزمة قبل أن تتجاوز حدود السيطرة.