في خضم حرب طاحنة أودت بحياة عشرات الآلاف وشرّدت الملايين، يواجه السودان خطرًا صحيًا متفاقمًا، يتمثل في تفشي وباء الكوليرا بصورة مقلقة، لا سيما في ولاية الخرطوم ومحيطها.
وأعلن وزير الصحة السوداني، د. هيثم محمد إبراهيم، يوم الأربعاء، أن “جميع ولايات البلاد المهددة بالكوليرا ستتلقى جرعات تطعيم خلال شهر يونيو”، في خطوة وصفت بأنها محاولة عاجلة لاحتواء الأزمة قبل خروجها عن السيطرة.
أرقام متضاربة.. لكن الخطر واضح
تتضارب الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية حول حجم التفشي، غير أن جميعها تشير إلى تسارع غير مسبوق في عدد الإصابات والوفيات.
وزارة الصحة أفادت بوقوع 2729 إصابة و172 وفاة خلال أسبوع واحد في الخرطوط، كما تحدثت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء عن 1335 إصابة و500 وفاة في أم درمان فقط، وإضافة إلى ذلك أكدت منظمة الصحة العالمية قدرت عدد الحالات في الخرطوم بـ6223 إصابة مؤكدة.
فيما كشفت منظمة “يونيسف” عن ارتفاع الحالات اليومية من 90 إلى 815 إصابة خلال عشرة أيام فقط بين 15 و25 مايو الجاري، أي زيادة بمعدل تسعة أضعاف.
وقالت “يونيسف” في بيان، إن العدد الإجمالي للإصابات في الخرطوم منذ يناير الماضي وصل إلى 7700 حالة، بينها 185 وفاة مرتبطة بالكوليرا.
جهود حكومية وحملات تطعيم
بدأت وزارة الصحة السودانية تنفيذ حملات تطعيم فموي ضد الكوليرا، حيث أطلقت، الثلاثاء الماضي، حملة تشمل 115 ألف جرعة في جنوب الخرطوم، على أن تتوسع الحملة لاحقًا لتشمل نحو 3 ملايين جرعة خلال أيام.
وأكد وزير الصحة، في تصريحات لقناة “العربية/الحدث”، أن التدخلات العاجلة ساهمت في تقليل أعداد الإصابات، مشيرًا إلى أن بعض مناطق العاصمة كانت تسجل ما يقارب 1000 إصابة يوميًا في بداية مايو، و40 حالة وفاة يوميًا، قبل أن تنخفض الأعداد نسبيًا مع بداية التدخلات.
انهيار المنظومة الصحية.. أرض خصبة للوباء
تفشي الكوليرا بهذا الحجم ليس جديدًا على السودان، الذي يُعد من البلدان المتأثرة تاريخيًا بهذا المرض المتوطن، إلا أن الحرب المستعرة منذ أبريل 2023 فاقمت الأوضاع الصحية بدرجة خطيرة.
فقد أدى انهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي إلى خلق بيئة مثالية لانتشار الكوليرا، خاصة في مناطق النزوح التي تفتقر إلى أبسط مقومات النظافة.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 90% من المستشفيات توقفت عن العمل مؤقتًا أو دائمًا بسبب الحرب، بينما يعاني نظام الرعاية الصحية بأكمله من “نقطة انهيار شاملة”.
نداء دولي وتمويل طارئ
في هذا السياق، أعلنت منظمة “يونيسف” أنها بحاجة إلى 3.2 مليون دولار إضافية للاستجابة الطارئة لوباء الكوليرا في الخرطوم، تشمل مجالات الصحة، المياه، النظافة، الصرف الصحي، والتغيير السلوكي المجتمعي.
وتقدم المنظمة خدمات التغذية والرعاية الصحية في أكثر من 105 مراكز إدارة خارجية، إضافة إلى أربعة مراكز استقرار لعلاج المصابين في الخرطوم.
توصيات الخبراء: الوقاية قبل الانهيار الكامل
يرى خبراء الصحة العامة أن وقف تفشي الكوليرا في السودان لا يتحقق إلا من خلال ضمان وصول المياه النظيفة إلى جميع المتأثرين في أماكن النزوح، وتوسيع حملات التطعيم لتشمل جميع المناطق عالية الخطورة، وكذلك دعم المراكز الصحية الميدانية بالإمدادات والأدوية الأساسية، إضافة إلى تنفيذ حملات توعية سلوكية على نطاق واسع، فضلا عن تعزيز التعاون الدولي العاجل لمساندة النظام الصحي السوداني المنهار.
أزمة مركبة.. والحل؟
بين الحرب والوباء، يقف السودان اليوم على حافة كارثة إنسانية مركبة، صحية واجتماعية، تتطلب استجابة سريعة وشاملة من الداخل والخارج، لإنقاذ الأرواح ووقف انتشار مرض يمكن علاجه والوقاية منه، لكنه قد يكون قاتلًا في غياب البنية الأساسية والرعاية الطبية المناسبة.