في خطوة دبلوماسية لافتة تحمل أبعادًا إقليمية عميقة، دعت الكويت المجتمع الدولي إلى تعزيز جهوده لضمان استقرار سوريا، مؤكدة على أهمية الحفاظ على سيادة ووحدة الأراضي السورية.
الدعوة جاءت خلال مباحثات رسمية جمعت أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح والرئيس السوري أحمد الشرع، في أول زيارة رسمية للرئيس السوري إلى الكويت منذ سنوات، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل العلاقات الثنائية وآفاق الدور الخليجي في الملف السوري.
دبلوماسية كويتية نشطة.. نداء من أجل سوريا
في قصر بيان، وأمام حضور رفيع ضم ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، ورئيس الوزراء الشيخ أحمد عبد الله الأحمد، جددت الكويت موقفها الداعم لوحدة سوريا واستقرارها، مشددة على أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة المستمرة منذ أكثر من عقد.
وأكدت القيادة الكويتية ضرورة تحرك دولي منسق لتخفيف معاناة الشعب السوري، مشيرة إلى أهمية دعم جهود إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية، بما يضمن عودة الحياة الطبيعية إلى المدن السورية المنكوبة.
علاقات ممتدة.. رغم المسافة السياسية
ورغم أن العلاقات الدبلوماسية بين الكويت وسوريا تأثرت خلال السنوات الماضية بسبب مواقف خليجية موحدة حيال الأزمة السورية، إلا أن الكويت حافظت على خط متوازن، فلم تقطع علاقاتها الرسمية مع دمشق بالكامل، بل واصلت تقديم المساعدات الإنسانية عبر مؤسساتها الرسمية، وعلى رأسها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
وبحسب البيانات الرسمية، قدم الصندوق 28 قرضًا لسوريا بقيمة إجمالية بلغت 333 مليون دينار كويتي (نحو 1.085 مليار دولار)، ما يعكس التزام الكويت التاريخي بدعم التنمية في الدول العربية، بما فيها سوريا.
الجالية السورية في الكويت.. جسر إنساني واقتصادي
يشكل السوريون في الكويت واحدة من أكبر الجاليات العربية في البلاد، حيث يقدَّر عددهم بحوالي 200 ألف شخص، يعملون في مختلف القطاعات الحيوية، ويساهمون في الاقتصاد المحلي.
وعلى الرغم من التحديات التي واجهها السوريون في المهجر خلال سنوات الحرب، إلا أن الكويت اتبعت سياسة مرنة نسبيًا تجاههم، خاصة في ما يتعلق بالإقامات وتسهيل تحويل الأموال إلى ذويهم في الداخل السوري.
رسائل الزيارة.. ما وراء الرمزية
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الكويت لا تحمل فقط طابعًا بروتوكوليًا، بل تمثل تحولًا دبلوماسيًا في مسار العلاقات العربية-السورية. فهي تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة جهودًا لإعادة تطبيع العلاقات مع دمشق، بعد أن بدأت العديد من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، في فتح قنوات اتصال جديدة مع النظام السوري.
وتعد الكويت، رغم موقفها الحذر، واحدة من الدول الخليجية التي قد تلعب دور الوسيط بين سوريا وبقية دول المنطقة، خاصة في ضوء تمسكها بالحلول الدبلوماسية وعدم الانخراط في الصراعات المسلحة.
نحو مستقبل مشترك؟ آفاق العلاقات بين دمشق والكويت
الزيارة قد تكون نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، تشمل توسيع التعاون في مجالات إعادة الإعمار، التعليم، والرعاية الصحية. كما أن انخراط المؤسسات الكويتية في مشاريع تنموية داخل سوريا يمكن أن يعزز الاستقرار المحلي، ويمهد لعودة تدريجية للاجئين السوريين.
وفي حال استمرار الزخم السياسي والدبلوماسي، قد تشهد السنوات المقبلة دورًا كويتيًا أكبر في الساحة السورية، ليس فقط كممول، بل كطرف فاعل في إعادة تشكيل المعادلة الإقليمية.
الكويت وسوريا.. طريق طويل نحو الاستقرار
بين الدعم الإنساني والرمزية السياسية، تتحرك الكويت بخطى ثابتة نحو إعادة ترميم العلاقة مع سوريا. فهل تنجح هذه الدبلوماسية الهادئة في إعادة دمشق إلى الحضن العربي؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الكويت في مستقبل سوريا؟
الأسابيع المقبلة كفيلة بالإجابة، لكن الثابت أن الكويت، كعادتها، تفضل لغة الحوار والتنمية، في وقت تبحث فيه المنطقة بأسرها عن مخرج آمن من أزمات مزمنة.