تحركات المجلس الوطني الفلسطيني، بقيادة رئيسه روحي فتوح، في مواجهة التصعيد الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، تعكس حالة من الإصرار السياسي على فضح المشروع الاحتلالي أمام المجتمع الدولي، وإن كانت هذه التحركات تصطدم بجدار التجاهل الإسرائيلي والتراخي العالمي. ففي الوقت الذي يواصل فيه جيش الاحتلال، إلى جانب كبار رموزه السياسية، وعلى رأسهم وزير الجيش يسرائيل كاتس، فرض وقائع ميدانية بقوة السلاح، تتكثف التصريحات الفلسطينية الرسمية التي تُحمّل إسرائيل مسؤولية انهيار أي أفق لحل سياسي عادل.
إعادة إحياء البؤر الاستيطانية
بيان فتوح الأخير يأتي في سياق سياسي متفجر، خاصة بعد اقتحام كاتس ويرافقه رئيس مجلس مستعمرات شمال الضفة “يوسي داغان”، موقع “ترسلة” قرب بلدة جبع جنوب جنين، وهو موقع أُخلي سابقًا، ويُعد بحسب القانون الدولي جزءًا من الأراضي المحتلة عام 1967. الاقتحام لم يكن مجرد زيارة رمزية، بل كان بمثابة إعلان نية سياسية بإعادة إحياء البؤر الاستيطانية المُخلاة، وعلى رأسها “سانور” و”حومش”، ما يُعد نسفًا صريحًا لأي تفاهمات سابقة أو التزامات دولية تعهدت بها إسرائيل.
تحرّك المجلس الوطني لم يكن مجرد رد فعل غاضب، بل جاء في صيغة سياسية واضحة تُحمّل حكومة الاحتلال المسؤولية المباشرة عن مسار تصعيدي يخدم مشروع الضم التدريجي ويؤسس لواقع استعماري جديد، تتزايد خطورته مع غياب أي رادع فعلي على الأرض. المجلس يرى أن ما يجري ليس فقط انتهاكاً للقانون الدولي، بل هو سياسة تطهير عرقي مُمَنهجة، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتوسيع دائرة السيطرة الاستيطانية تمهيدًا لإلغاء فكرة الدولة الفلسطينية من الأساس.
وثيقة دولية ملزمة
في هذا السياق، يرفع المجلس الوطني الفلسطيني الصوت عاليًا، موجّهًا دعوة صريحة إلى المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية التي اعترفت بالفعل بالدولة الفلسطينية، لاتخاذ خطوات تتجاوز مجرد الإدانة اللفظية. البيان يحمل رسالة مزدوجة: من جهة دعوة لمزيد من الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين كأمر واقع لا نقاش فيه، ومن جهة أخرى مطالبة بمحاسبة إسرائيل أمام المحافل الدولية، سواء من خلال المحاكم أو عبر فرض عقوبات سياسية واقتصادية.
فتوح ذهب أبعد من ذلك، حين استخفّ بسخرية كاتس من مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبرًا أن “الورقة” التي استهزأ بها وزير الجيش الإسرائيلي قد تتحوّل إلى وثيقة دولية ملزمة، في دلالة على الرهان الفلسطيني على الإرادة الدولية الراشدة، رغم إدراك محدوديتها الفعلية حتى الآن.
فصل عنصري قائم على التطهير العرقي
لكن الواقع يقول إن ما يفعله المجلس الوطني، رغم أهميته الرمزية والسياسية، يصطدم بتحديات ضخمة. إسرائيل تمضي بخطى ثابتة نحو تنفيذ مشروع استيطاني شامل في الضفة الغربية، يكرّس نظام فصل عنصري قائم على التطهير العرقي، ويُغلق الباب نهائيًا أمام حل الدولتين. ومع ضعف الضغط الدولي، وتراجع الحراك العربي، تبقى تحركات المجلس الوطني ذات طابع دبلوماسي أكثر منها عملي، رغم أنها تمثل الصوت الرسمي الأعلى في المنظومة الفلسطينية.
معركة المجلس الوطني الفلسطيني ضد ممارسات الاحتلال في الضفة الغربية هي معركة على الوعي والشرعية، قبل أن تكون معركة على الأرض. لكنها تبقى مواجهة غير متكافئة، تستدعي تحشيدًا سياسيًا أكبر، وقيادة فلسطينية موحدة قادرة على تحويل البيانات إلى خطوات عملية، تُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية في ظل سباق إسرائيلي لتصفية ما تبقى منها.