في مشهد يعكس تنامي الشراكة الأمنية والعسكرية بين الرياض وواشنطن، اختتمت القوات البحرية السعودية ونظيرتها الأميركية تمرين “المدافع البحري 25″، الذي استمر أسبوعاً في قاعدة الملك عبد العزيز البحرية بالأسطول الشرقي. التمرين يأتي في توقيت حساس إقليمياً ودولياً، ويتزامن مع تصاعد التهديدات البحرية والتوترات في الممرات الاستراتيجية، من البحر الأحمر إلى الخليج العربي.
أهداف التمرين
ركز التمرين المشترك على سيناريوهات واقعية تحاكي التهديدات الحديثة التي تواجه أمن الملاحة البحرية، بما في ذلك التصدي للزوارق السريعة المفخخة والطائرات المسيّرة، والتدريب على حروب الغواصات والتشكيلات القتالية. كما تضمن رمايات بالذخيرة الحية، ما يعكس المستوى العالي من التنسيق والتكامل بين الجانبين.
يؤكد خبراء عسكريون أن هذه المناورات تسعى إلى رفع الجاهزية العملياتية للقوات السعودية والأميركية، لا سيما في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد بحري غير مسبوق، سواء في مضيق هرمز أو البحر الأحمر.
زيارة ترامب تعيد زخم التعاون العسكري
تأتي هذه التدريبات بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة، والتي أثارت زخماً سياسياً وإعلامياً كبيراً. فقد التقى ترامب خلال الزيارة بعدد من كبار المسؤولين السعوديين، وشارك في جلسات مغلقة ركّزت على التعاون العسكري، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى ملفات الشرق الأوسط الساخنة، وعلى رأسها اليمن وغزة.
في كلمته بالرياض، قال ترامب: “أمن الخليج مسألة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة، وسنواصل العمل جنباً إلى جنب مع حلفائنا السعوديين لضمان الاستقرار الإقليمي”، وأضاف أن عودته إلى السلطة “ستعني عودة الحزم الأميركي الحقيقي في مواجهة التهديدات”.
صفقات سلاح استراتيجية
وكشفت مصادر مطلعة عن قرب توقيع صفقات تسليحية جديدة بين الجانبين، تشمل منظومات دفاع جوي متقدمة، وتطوير قدرات البحرية السعودية، وتزويدها بتكنولوجيا مراقبة بحرية فائقة الدقة. كما يجري الحديث عن إدراج المملكة ضمن برنامج أميركي مشترك لتطوير الطائرات المسيّرة البحرية وأنظمة الحرب الإلكترونية.
وتُعد هذه الصفقات امتداداً لاتفاقيات سابقة تم التوصل إليها خلال ولاية ترامب الأولى، لكنها اليوم تأخذ بُعداً جديداً بعد التغيرات الإقليمية الأخيرة وتنامي التحديات الأمنية البحرية.
رسائل سياسية من قلب الخليج
في توقيت تزداد فيه التوترات الإقليمية، من الصراع في غزة إلى تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، يحمل التمرين رسالة سياسية واضحة، بأن السعودية والولايات المتحدة ماضيتان في تعميق تحالفهما الأمني، وتوسيع قدراتهما البحرية لضمان السيطرة على الممرات الحيوية التي تشكل شريان الطاقة العالمي.
ويؤكد مراقبون أن التمرين يأتي رداً غير مباشر على محاولات بعض الأطراف الإقليمية توسيع نفوذها البحري، ويعيد التوازن في معادلة الأمن البحري الخليجي.
تحول نوعي في المفهوم الدفاعي السعودي
يشير التمرين أيضا إلى تحوّل نوعي في العقيدة العسكرية السعودية، إذ لم يعد التركيز منصباً فقط على الدفاع الجوي والبري، بل أصبح يشمل قدرات بحرية متطورة، وحضوراً استراتيجياً في المياه الإقليمية والدولية. ويأتي هذا ضمن رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تطوير الصناعات العسكرية ورفع مستوى الاكتفاء الذاتي الدفاعي.
الخليج تحت المجهر
ويأتي التمرين السعودي الأميركي الأخير كإشارة واضحة على تجدد التحالف التاريخي بين الرياض وواشنطن، وتحوّله من شراكة تقليدية إلى تحالف عملياتي متعدد الأبعاد.
وإذا كانت زيارة ترامب قد حملت البعد السياسي، فإن “المدافع البحري 25” حمل معه البعد العسكري الصلب: الخليج لم يعد ساحة فراغ، بل ساحة تحالفات استراتيجية تتبلور تحت رادارات العالم.