تشهد عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة تعقيدًا متزايدًا يعكس تشابك المصالح الإسرائيلية والأهداف الاستراتيجية التي تتجاوز مجرد منع الإمدادات عن حركة حماس. وفقًا لما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصادر إسرائيلية مطلعة، فإن مسألة إعادة تدفق المساعدات إلى القطاع قد تستغرق عدة أسابيع، في ظل نقاشات مكثفة بين المسؤولين الإسرائيليين حول أفضل السبل لتنفيذ ذلك دون السماح بتعزيز قوة حماس.
تقويض قدرات حماس
إسرائيل تعلن بوضوح أن استئناف توزيع المساعدات الإنسانية مشروط بضمان عدم استفادة حماس منها. وقد أكد زئيف إلكين، عضو الكنيست وعضو مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، أن هناك خلافات داخلية بشأن تفاصيل خطط توزيع المساعدات، لكن يوجد إجماع على نقطة واحدة أساسية وهي أن إسرائيل لن تسمح بأي توزيع يؤدي إلى تقوية حماس. هذه التصريحات تضع حجر الأساس لفهم خلفية التعنت الإسرائيلي، حيث يظهر أن الهدف المعلن يتمثل في تقويض قدرات حماس وضمان عدم استفادتها اللوجستية أو السياسية من المساعدات.
غير أن القراءة المتأنية للتطورات تشير إلى أن الأمر لا يقتصر على منع وصول الإمدادات لحماس فحسب، بل يبدو أن إسرائيل تسعى لاستخدام ورقة المساعدات كوسيلة ضغط على سكان غزة أنفسهم. فكرة إقامة “منطقة إنسانية” جديدة جنوب القطاع، التي يتم تداولها ضمن خطط التجربة الأولية بمشاركة شركات أميركية خاصة، تكشف عن توجه نحو إعادة تنظيم التوزيع السكاني بشكل يخدم الرؤية الإسرائيلية المستقبلية. نقل السكان إلى مناطق محددة وتقييد حركتهم يمكن تفسيره كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى السيطرة الديموغرافية وربما دفع السكان تدريجيًا نحو الهجرة القسرية تحت وطأة الحصار الإنساني.
خيارات قاسية
تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حول ممارسته ضغوطًا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيادة تدفق الغذاء والدواء إلى غزة، تعكس حجم التحدي الدولي الذي تواجهه إسرائيل فيما يتعلق بصورة تعاملها مع الأزمة الإنسانية. ومع ذلك، تصر القيادة الإسرائيلية على أن أي تنازل في هذا الملف يجب أن يكون محكومًا بضمانات أمنية صارمة تمنع استفادة خصومها.
التعنت الإسرائيلي في إدخال المساعدات إلى قطاع غزة يخدم هدفين رئيسيين متداخلين: الأول، منع وصول أي دعم لوجستي أو سياسي لحركة حماس؛ والثاني، استخدام الأزمة الإنسانية كأداة ضغط على سكان القطاع لدفعهم إلى خيارات قاسية، قد تصل إلى القبول بالتهجير كخيار أخير للبقاء.
يبقى مستقبل المساعدات مرهونًا بالتطورات السياسية والأمنية القادمة، فيما يظل سكان غزة هم الحلقة الأضعف، يدفعون ثمن الصراعات والمساومات الكبرى بين الأطراف المختلفة.