تصريحات المفوض العام لوكالة “الأونروا”، فيليب لازاريني، أمام اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، لم تكن مجرد تحذير تقني بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، بل كانت بمثابة إدانة صريحة لنمط متصاعد من “الحرب بالوسائل غير التقليدية”، حيث يُستخدم الغذاء كوسيلة خنق، والتجويع كأداة حرب.
فخ للموت
حين يصف مسؤول أممي آلية توزيع المساعدات بأنها “فخ للموت”، فإن الأمر يتجاوز الفشل اللوجستي، ليصل إلى التشكيك في النوايا الكامنة وراء هذه الآليات، التي تتم تحت إشراف مباشر من قوى الاحتلال وبدعم أمريكي. وهذا الاتهام يحمل دلالة سياسية خطيرة، خصوصًا أنه يأتي من جهة دولية عادة ما تلتزم لغة دبلوماسية محسوبة، ما يعني أن المأساة في غزة تجاوزت حدود الاحتمال حتى لمؤسسات المجتمع الدولي.
تصريحات لازاريني تكشف أن هناك حالة ممنهجة من التدهور، حيث لا تقتصر الكارثة على نقص الغذاء، بل تشمل حرمانًا متعمدًا من الحد الأدنى للعيش الإنساني. وما يزيد من عمق الأزمة هو أن هذا يحدث في ظل صمت دولي أو تواطؤ غير معلن، على حد تعبيره، عبر “20 شهراً من التقاعس والإفلات من العقاب”.
فصل الفلسطينيين عن فلسطين
المعنى الأوسع لهذه التصريحات يتعدى حدود غزة الجغرافية، ليعكس استهدافًا لمبدأ “حق الفلسطيني في الحياة”، باعتباره عنصرًا مقلقًا في الصراع القائم، في ظل سعي واضح – كما قال لازاريني – لـ”فصل الفلسطينيين عن فلسطين” عبر تفكيك الأمل السياسي والاقتصادي، وسحب البساط من فكرة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.
إنه حديث عن مشروع طويل الأمد، لا عن أزمة عابرة، ويتقاطع مع ما تعلنه جهات إسرائيلية عن إعادة رسم خريطة الوجود الفلسطيني ديمغرافيًا وجغرافيًا، من خلال الحصار والتجويع والإفقار.
في سياق موازٍ، تأتي الإشارة إلى الوضع المالي “الحرج” للأونروا لتؤكد أن الحرب على غزة لا تُخاض فقط بالقنابل، بل بالتجفيف الممنهج لمصادر الإغاثة والدعم الدولي. ما يثير المخاوف من أن هناك إرادة سياسية خلف هذا الإضعاف، بهدف إنهاء دور الوكالة، التي تشكّل آخر ما تبقى من الاعتراف الأممي بحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
التجويع أداة تفاوض
التحذير من قرارات “غير مسبوقة” في عمليات الوكالة، يشير إلى احتمال توقف خدمات الصحة والتعليم والمساعدات في مختلف مناطق الشتات، وهو ما سيكون ضربة قاسية لملايين اللاجئين، وليس فقط لسكان غزة.
تصريحات لازاريني تضع المجتمع الدولي أمام سؤال أخلاقي حاد: إلى متى سيظل التجويع أداة تفاوض وسيطرة في صراعات القرن الحادي والعشرين؟ وإن كانت غزة اليوم عنوانًا لهذه المأساة، فهل تكون الأونروا – بصوتها المنفرد – آخر من يحاول كسر صمت العالم؟