في إطار سعيه لتقليص العجز في الميزان التجاري وتعزيز تنافسيته الاقتصادية، يراهن المغرب على توسيع قاعدة صادراته وتنويع شركائه التجاريين، ضمن استراتيجية وطنية طموحة تمتد من عام 2025 وحتى 2027.
استراتيجية جديدة لتعزيز التجارة الخارجية
أعلن عمر حجيرة، كاتب الدولة المغربي المكلف بالتجارة الخارجية، عن إطلاق سلسلة مبادرات منتصف يونيو الماضي، تهدف إلى تعزيز التجارة الخارجية ورفع مساهمة التصدير في الاقتصاد الوطني.
وأوضح أن جميع مكاتب دعم التجارة الخارجية ستُفتح أمام الشركات في مختلف جهات المملكة، لضمان توزيع عادل لفرص التصدير وتحقيق شمول اقتصادي بين الجهات.
ومن أبرز أدوات هذه الخطة، إطلاق منصة TijarIA الرقمية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمات ومعلومات فورية للمصدرين، على مدار 24 ساعة.
وتسعى الحكومة من خلالها إلى تسهيل عمليات التصدير، وتوفير قاعدة بيانات حديثة لدعم قرارات الفاعلين الاقتصاديين.
عجز تجاري مقلق مع الشركاء التقليديين
في السياق ذاته، قال الخبير المغربي في الاقتصاد الدولي بدر الزاهر الأزرق، إن هذه الاستراتيجية جاءت استجابةً لتراجع أداء التجارة الخارجية وارتفاع العجز التجاري، خصوصاً مع شركاء المغرب التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ومصر، والأردن.
وأوضح الأزرق أن “عدد الشركات المصدرة في المغرب لا يتجاوز 6000 شركة، منها فقط 1200 شركة تركز على تصدير المواد المُصنّعة، بينما البقية تنشط في مجالات الخدمات والمواد الخام”، مشيراً إلى أن هذا العدد لا يواكب طموحات المملكة.
تمركز الشركات المصدرة يحدّ من العدالة الجهوية
أغلب الشركات المصدّرة، بحسب الأزرق، تتمركز في الدار البيضاء وطنجة، مما يخلق فجوة كبيرة في تمثيل باقي جهات المملكة في مجال التصدير.
ودعا إلى ضرورة فتح آفاق التصدير أمام مناطق أخرى تملك مؤهلات اقتصادية لكنها خارج دائرة التنافسية التصديرية حتى الآن.
وشدد الخبير على ضرورة الانفتاح على قطاعات واعدة يمكن أن ترفع من القيمة المضافة للصادرات، مثل صناعة الدواء، والدفاع، والملاحة البحرية، والقاطرات، والطاقة الكهربائية، وهي قطاعات تحظى بطلب دولي متزايد.
وأكد على أهمية تقليص القطاع غير المهيكل، وتعزيز الاقتصاد المنظم لخلق بيئة مواتية للتصدير.
خارطة طريق طموحة: 76 ألف وظيفة و8.4 مليار دولار صادرات إضافية
في مايو الماضي، كشف رئيس الحكومة عزيز أخنوش عن خارطة طريق جديدة تهدف إلى توسيع قاعدة الصادرات.
وتستهدف الخطة إحداث حوالي 76 ألف فرصة عمل، واستقطاب 400 شركة مصدّرة جديدة سنوياً، وتحقيق صادرات إضافية بقيمة 8.4 مليارات دولار.
وتشمل الخطة أيضًا تسريع رقمنة التجارة الخارجية، وإحداث مكاتب جهوية لدعم المصدرين، والترويج لصادرات الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
الصناعة تقود القاطرة.. والسيارات في الصدارة
وفق إحصاءات رسمية، بلغت قيمة الصادرات المغربية نحو 45.5 مليار دولار خلال 2024، بزيادة 5.8% عن عام 2023.
وتصدر قطاع السيارات المشهد، يليه الفوسفات والمنتجات الزراعية، ما يعكس قوة الصناعة المغربية في بعض المجالات المحددة.
ودعا الأزرق إلى ضرورة تقوية الأسطول البحري الوطني، الذي تراجع خلال السنوات الأخيرة، باعتباره ركيزة أساسية لتعزيز التجارة الخارجية وتحسين تنافسية الصادرات المغربية، كما شدد على أهمية البحث عن أسواق بديلة، والتقليل من الاعتماد الحصري على السوق الأوروبية.
تنويع الشراكات وتكييف المنتجات
الارتباط القوي بالاتحاد الأوروبي، بحسب الأزرق، دفع الشركات المغربية إلى إنتاج بضائع وفق المواصفات الأوروبية فقط، ما يعيق دخولها إلى أسواق آسيوية أو إفريقية تختلف في احتياجاتها، واقترح إنشاء شركات متخصصة تلبي متطلبات أسواق بعينها.
ثقة متزايدة في الاقتصاد المغربي
وفي 11 مايو، أعلن وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع الصناعي تضاعفت ثلاث مرات خلال عقد، لتبلغ 1.56 مليار دولار في 2024، مما يعكس ثقة المستثمرين العالميين في الاقتصاد المغربي.
وأشار مزور إلى أن صادرات الصناعة تضاعفت خمس مرات خلال السنوات الماضية، لتبلغ نحو 39.8 مليار دولار، أي ما يمثل 88% من إجمالي الصادرات الوطنية.
أبرز الوزير أيضًا أن المغرب يمتلك جميع المؤهلات لبناء سلسلة صناعية متكاملة في قطاع بطاريات السيارات الكهربائية، وهو مجال واعد عالمياً ويُعول عليه بشدة في الاستراتيجية الجديدة.
نمو كبير في الاستثمارات الأجنبية
ووفق تقرير حديث لمكتب الصرف المغربي، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 حوالي 910 ملايين دولار، بزيادة قدرها 63.6% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.