بينما تتجه الأنظار إلى العاصمة الأمريكية واشنطن ترقبًا للإعلان المرتقب عن صفقة وقف إطلاق نار جديدة في غزة، تُثير حركة “حماس” جملة من التحفظات والتعديلات على الصيغة المقترحة، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة مجددًا التساؤلات حول جدية الحركة في إنهاء الحرب التي دمرت القطاع، وحول قدرتها على الفصل بين الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان والمكاسب السياسية أو الأيديولوجية الخاصة بها.
أزمة ثقة بين الحركة والمجتمع الدولي
إن التعديلات التي طرحتها حماس، كما كشف المحلل السياسي الفلسطيني أشرف القصاص، لا تبدو محصورة في تحسين الشروط الإنسانية أو ضمانات أمنية بقدر ما تكشف عن رغبة في فرض إرادة سياسية جديدة على الأرض، حتى ولو كان الثمن تأخير تنفيذ الهدنة وتفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار والقصف.
مطالبة حماس بإعادة تنظيم آلية إدخال المساعدات الإنسانية، رغم أن المقترح الأممي تضمن بروتوكولًا إنسانيًا واضحًا، تكشف عن أزمة ثقة بين الحركة والمجتمع الدولي، لكنها في الوقت نفسه تُسقط الاعتبارات الإنسانية لصالح اعتبارات السيطرة والهيمنة على المعابر وقنوات الإغاثة. والأخطر من ذلك هو إصرار الحركة على سحب صندوق المساعدات الإنسانية (GHF) من القطاع، بذريعة أنه أداة لقتل المدنيين ونصب “مصائد موت”، وهو اتهام خطير يعكس خطابًا تعبويًا لا يستند إلى أدلة حاسمة، وقد يعرقل تدفق المساعدات الحيوية التي ينتظرها سكان القطاع المنهك.
حماس تتجاهل ماسأة سكان غزة
في هذا السياق، يبدو أن حماس تتجاهل حقيقة أن سكان غزة لم يعد بمقدورهم احتمال مزيد من التأخير أو المراوغة السياسية، في وقت بات فيه الجوع والمرض والموت اليومي مشهدًا متكررًا، وصار الأطفال والنساء في مرمى الخطر مع انعدام الحد الأدنى من مقومات الحياة. إذ كيف يمكن تبرير خوض جولة تفاوض جديدة طويلة ومعقدة حول “آليات المساعدات” و”نقاط انسحاب” و”ضمانات سياسية”، بينما يموت الناس تحت الأنقاض وبلا دواء أو طعام؟
كما أن مطالبة الحركة بإلزام إسرائيل بعدم تجديد القتال بعد 60 يومًا تكشف عن انفصال واضح عن الواقع الميداني والسياسي؛ فمن المعروف أن مثل هذه الالتزامات لا يمكن ضمانها من جانب طرف واحد أو حتى من خلال وسطاء، ما يجعل إدراج مثل هذا الشرط أشبه بمحاولة لفرض أمر غير واقعي، يعقّد الوصول إلى اتفاق أكثر مما يُسهّله.
وفي ضوء تسليم حماس ردًا “إيجابيًا” على المقترح، يبقى هذا “الإيجاب” مشروطًا ومثقلًا بالتعديلات التي قد لا تجد قبولًا لدى الأطراف الأخرى، بما في ذلك الوسطاء. وهو ما قد يضع الحركة مرة أخرى في خانة الطرف المُعطّل لأي اتفاق، لا سيما في نظر المجتمع الدولي والرأي العام الفلسطيني الغاضب من استمرار الحرب والمماطلة السياسية.
حماس أسيرة منطق المكاسب السياسية
إن إصرار حماس على إدخال هذه التعديلات في هذه المرحلة الحساسة، يضعها أمام مسؤولية أخلاقية كبرى، إذ لا يمكن تبرير استمرار المأساة الإنسانية في غزة بدعوى تحسين شروط الاتفاق أو تحقيق مكاسب سياسية مستقبلية. فإذا كانت القيادة في غزة ترى نفسها ممثلة للشعب الفلسطيني، فإن أولى واجباتها يجب أن تكون حماية هذا الشعب، لا تعريضه لمزيد من المعاناة بسبب شروط تفاوضية قابلة للتأجيل أو المعالجة التدريجية لاحقًا.
يُظهر موقف حماس من الصفقة المقترحة أنها لا تزال أسيرة لمنطق المكاسب السياسية والصراعات السيادية، حتى على حساب حياة المدنيين الذين يُفترض أنها تدافع عنهم. وفي وقت يتطلع فيه العالم لإنهاء الحرب في غزة، تبدو الحركة متمسكة بورقة المفاوضات كأداة لانتزاع نقاط سياسية، ولو على حساب آهات الجوعى وصرخات الأمهات الثكالى.
Ask ChatGPT