أطلق الرئيس السوري أحمد الشرع مساء الخميس من قصر الشعب بدمشق الهوية البصرية الجديدة للدولة السورية، مؤكداً أنها تعبير عن “سوريا واحدة موحَّدة، لا تقبل التجزئة أو التقسيم”.
الاحتفالية التي امتدت إلى محافظات البلاد، بدت أكثر من مجرد إعلان تقني أو تجميلي، بل جاءت محمّلة برسائل سياسية، تسعى إلى تأكيد مرحلة جديدة من التاريخ السوري، تطوي إرث الحرب والدمار والتمزق، وتؤسس لمرحلة يُراد لها أن تبدو مستقرة ومتصالحة مع ذاتها.
في كلمته، شدّد الرئيس الشرع على أن الهوية الجديدة ترتكز على رمزية الطائر الجارح، “بما يحمله من دلالات على العزم والسرعة والاتقان”، معتبراً أنها تمثل الشخصية الوطنية التي تعيد اكتشاف ذاتها بعد سنوات طويلة من التشظي والضياع.
ما بعد الحرب… استعادة المعنى
رسالة الشرع لم تخلُ من محاولة إعادة تعريف المواطن السوري في مرحلة ما بعد الحرب، عبر التركيز على مفاهيم “الابتكار” و”الكرامة” و”الانتماء”، وهي مفردات تتكرر كثيراً في خطابه منذ توليه الحكم، لكنها تُقرأ هذه المرة في سياق استراتيجي جديد، تسعى فيه دمشق إلى تثبيت سردية الدولة الواحدة المتماسكة، في ظل واقع لا يزال يعاني من تركة النزاع والحصار والانقسام.
كما أشار الرئيس السوري إلى أن التنوع الثقافي والعرقي في البلاد يجب أن يكون “عامل إغناء لا تنازع”، في تلميح إلى تجاوز الخطاب الطائفي والمناطقي الذي غذّى سنوات من الصراع الداخلي، وبناء هوية جامعة تستوعب مكونات المجتمع السوري تحت مظلة وطنية موحّدة.
إرث الأسد… وظلال “الحقبة السوداء”
إطلاق الهوية البصرية الجديدة لا يمكن فصله عن الحاجة إلى فكّ الارتباط الرمزي والسياسي مع النظام السابق بقيادة بشار الأسد، الذي طبع سوريا بوجه دموي امتد لعقدين.
“الحقبة السوداء” التي لا تزال جراحها مفتوحة في ذاكرة كثير من السوريين، تُذكرهم بهوية أخرى فُرضت بالقوة، وحُفرت في الذاكرة عبر القمع والدمار والمنفى.
ومن هذا الباب، يبدو أن الشرع يحاول صياغة قطيعة رمزية مع تلك المرحلة، ليس فقط عبر تصميم جديد أو لغة مختلفة، بل من خلال تقديم تصور مغاير لدور الدولة ومكانة المواطن.
وفي بلد اعتاد أن تكون الرموز أدوات للسلطة، قد يكون إدخال هوية بصرية جديدة محاولة لتدشين عهد رمزي جديد، أو على الأقل إشارة إلى نية تصحيح المسار، أو خلق هوية رسمية تعبّر عن سوريا التي تنظر إلى المستقبل، لا تلك العالقة في إرث الأجهزة الأمنية والدولة الأمنية.
عودة المعنى… أم تجميل الواقع؟
ورغم الرمزية العالية في إطلاق هذه الهوية، فإن العديد من المتابعين يرون أنها لا تكفي وحدها لتغيير الواقع، إذ تحتاج إلى أن تُترجم عبر بنية سياسية وتشريعية تعيد للسوريين ثقتهم بالدولة. فالشعارات وحدها لا تعالج آثار النزوح والانهيار الاقتصادي والانقسامات الجغرافية والاجتماعية.
لكن ما لا يمكن تجاهله أن هذه الخطوة تمثل تحولاً في اللغة الرسمية، وانفراجاً نسبياً في الأداء السياسي، حتى لو كان لا يزال محدود الأثر على الأرض. أما إن كانت هذه الهوية بداية لعهد حقيقي جديد، أم مجرّد زخرفة إعلامية لتغطية إرث مرير، فهذا ما ستحدده المرحلة المقبلة وسلوك الدولة تجاه مواطنيها.
في انتظار التغيير الحقيقي
بين الطائر الجارح كرمز، وسوريا المنهكة كواقع، تقف الهوية البصرية الجديدة على مفترق طرق. قد تكون خطوة إلى الأمام في مسار طويل لاستعادة البلاد لوجهها، لكن وحده التاريخ، لا الخطاب الرسمي، سيحكم إن كانت هذه الهوية تحمل مضموناً حقيقياً… أم مجرد مظهر جديد لوجه قديم.