رغم الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تعصف باليمن منذ سنوات، تواصل البلاد استقبال مئات المهاجرين غير الشرعيين من دول القرن الأفريقي، في ظاهرة تتزايد بشكل مقلق منذ بداية العام الحالي، وسط تقارير متواترة عن سوء المعاملة والاستغلال والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها هؤلاء المهاجرون على يد شبكات التهريب وسلطات الأمر الواقع.
183 مهاجراً حُرّروا من جحيم المهربين
في أحدث العمليات الأمنية، أعلنت السلطات اليمنية، مطلع الأسبوع الجاري، تحرير 183 مهاجراً غير شرعي من القرن الأفريقي كانوا محتجزين في ظروف بالغة القسوة لدى خمسة من المهربين في ريف مديريات “ذو باب” و”المندب” و”موزع” على الساحل الغربي للبلاد.
وقال العقيد علي القوسي، أركان حرب فرع الأمن المركزي في ميناء المخا، إن قوات أمنية مشتركة داهمت أوكار المهربين بعد عمليات رصد ومتابعة، وتمكنت من تحرير المهاجرين، والقبض على عدد من المتورطين في احتجازهم.
وأشار القوسي إلى أن العملية جاءت ضمن حملة أمنية موسعة تستهدف تفكيك شبكات التهريب والاتجار بالبشر، التي تستغل معاناة المهاجرين لتحقيق مكاسب غير مشروعة، متوعداً بمواصلة ملاحقة المتورطين في هذا الملف.
تهريب بلا هوادة.. وأرقام مفزعة
رغم هذه الجهود، تظل وتيرة التهريب مرتفعة بشكل مقلق. فخلال أسبوع واحد فقط، وصل أكثر من 320 مهاجراً غير شرعي إلى سواحل مديرية رضوم بمحافظة شبوة شرق اليمن، بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية اليمنية.
وأوضحت الوزارة أن قارباً كان يحمل 150 مهاجراً أفريقياً غير شرعي، بينهم نساء وأطفال، وصل إلى ساحل رضوم في أول أيام عيد الأضحى، معظمهم من الجنسية الإثيوبية، إضافة إلى 8 من الجنسية الصومالية. وجاءت هذه الدفعة بعد أيام فقط من وصول 170 مهاجراً آخرين إلى نفس المديرية.
وبحسب البيانات الرسمية، فقد استقبلت محافظة شبوة وحدها أكثر من 1193 مهاجراً غير شرعي خلال شهري مارس وأبريل الماضيين، فيما تجاوز العدد الإجمالي للمهاجرين الذين وصلوا إلى اليمن خلال عام 2024 فقط 60 ألف شخص.
تحوّلات في مسارات التهريب.. والسواحل الشرقية في الواجهة
تشير مصادر مطلعة إلى أن مسارات التهريب شهدت تحولاً لافتاً في الفترة الأخيرة، حيث باتت السواحل الشرقية لليمن، وتحديداً في محافظتَي شبوة والمهرة، هي الوجهة الرئيسية لعمليات التهريب، بدلاً من السواحل الغربية التي كانت تعتمد على جيبوتي كنقطة انطلاق.
وتؤكد هذه المصادر أن الضغوط الأمنية التي فرضتها السلطات اليمنية في بعض المناطق دفعت المهربين إلى تغيير وجهاتهم، بالتنسيق مع عناصر متواطئة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث يُسهل هؤلاء تنقل المهاجرين ونقلهم إلى الحدود مع دول الخليج، بعد احتجازهم لفترات طويلة وابتزازهم مالياً.
المهاجرون بين الاستغلال والسراب
رحلة المهاجرين لا تنتهي بوصولهم إلى اليابسة. فبحسب روايات عديدة، يتم إيهامهم بأنهم قريبون من حدود دول الخليج، ويُطلب منهم السير لمسافات طويلة للوصول إلى “الحلم الموعود”، في حين أن الطريق لا يؤدي إلا إلى المزيد من الاستغلال.
تؤكد المصادر أن المهربين يحتجزون المهاجرين لأسابيع في أوكار نائية، ويجبرونهم على دفع مبالغ مالية بالدولار لقاء نقلهم إلى المناطق الحدودية. ومن يعجز عن الدفع، يتعرض لـالضرب والإهانة والاستغلال البدني، إلى أن ترضخ عائلته لمطالب المهربين.
الحوثيون والمهاجرون.. استغلال متعدد الوجوه
لم تتوقف معاناة المهاجرين عند حدود التهريب، إذ تشير تقارير أمنية إلى أن جماعة الحوثي تقوم باستغلال أعداد كبيرة منهم في أنشطتها العسكرية، بعد إدخالهم إلى مناطق سيطرتها.
وبحسب المسؤولين، تعمل الجماعة على تجنيد بعض المهاجرين الأفارقة وتعبئتهم طائفياً، بل وشرعت في إنشاء جيوب مذهبية وخلايا مسلحة في بعض بلدان القرن الأفريقي، ما يهدد بتوسيع رقعة عدم الاستقرار في المنطقة.
وتؤكد السلطات أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية، إلى جانب ضعف الإمكانيات، تُصعّب من قدرتها على التصدي لهذه الظاهرة أو احتواء المهاجرين بشكل إنساني، في ظل غياب الدعم الدولي الكافي وتجاهل المنظمات المعنية بهذا الملف.
مطالب يمنية بدعم دولي عاجل
مع تفاقم هذه الظاهرة، تطالب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته، وتوفير الدعم اللازم لمساعدة السلطات المحلية في التصدي لتدفقات الهجرة غير النظامية، ومكافحة شبكات الاتجار بالبشر.
كما تؤكد السلطات أنها لا تمتلك القدرة على إنشاء مراكز إيواء كافية أو تقديم خدمات أساسية للمهاجرين، داعية إلى دعم الجهود الأمنية والإنسانية المبذولة للحد من الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
الهروب من الجحيم إلى جحيم آخر
في النهاية، يبدو أن آلاف المهاجرين الأفارقة الذين يلجأون إلى اليمن هرباً من الفقر والحروب والاضطهاد في بلدانهم، لا يجدون في هذا المعبر البحري سوى أبواب جديدة للمعاناة والانتهاك والاستغلال. وبين تواطؤ المهربين، واستغلال الحوثيين، وعجز السلطات، تظل قصة هؤلاء المهاجرين جراحاً مفتوحة في جسد اليمن المنهك، وشاهداً على فشل المنظومة الدولية في حماية الضعفاء.