في بلدٍ أرهقته الأزمات، عبر اليمنيون بوضوح عن مطلبهم الأساسي: لا يريدون حلولًا إسعافية مؤقتة، بل دعمًا طويل الأمد يضمن لهم الكرامة والنجاة، ويعيد بناء مستقبلهم. وبينما تتوالى الأزمات الصحية والإنسانية، يبقى الالتزام بالاستقرار والصمود حجر الأساس لأي استجابة فعالة.
الكوليرا.. قنبلة موقوتة تهدد الملايين
بحسب عمرو صالح، كبير مسؤولي الطوارئ الصحية والتغذية في اللجنة، فإن الكوليرا لا تزال تمثل تهديدًا داهمًا لليمنيين: “من خلال مكافحتها، وصلنا إلى بعض أكثر المجتمعات تهميشًا في اليمن برعاية منقذة للحياة. لقد شهدنا ذلك بأم أعيننا”.
ورغم الجهود، فإن الأسباب الجذرية لتفشي المرض لا تزال قائمة، وهي محدودية المياه النظيفة، سوء الصرف الصحي، تفشي سوء التغذية، ونظام صحي ضعيف لا يقوى على المواجهة.
احتياجات عاجلة بتمويل متواضع
في عام 2025، تحتاج خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن إلى ما لا يقل عن 437 مليون دولار لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي، فهناك 261 مليون دولار مطلوبة للخدمات الصحية الطارئة لـ10.6 مليون شخص، إضافة إلى 176 مليون دولار لتوفير المياه وخدمات الصرف الصحي لـ6 ملايين شخص، ورغم هذا، لم يتجاوز التمويل المقدم لقطاع الصحة 14٪، بينما حصل قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية على 7٪ فقط.
أكدت منظمة الصحة العالمية أن اليمن يتحمل العبء الأكبر من الكوليرا عالميًا، مع تفشٍ مستمر منذ سنوات، بما في ذلك أسوأ تفشٍ مسجل عالميًا بين 2017 و2020.
وتحذر المنظمة من أن الأمراض المنقولة بالمياه تضاعف الضغط على نظام صحي متهالك، يواجه بالفعل موجات من الأوبئة دون موارد كافية.
دعم دولي محدود.. وأثر غير كافٍ
في نيسان/أبريل الماضي، قدمت السعودية وبريطانيا 10 ملايين دولار لدعم جهود «الصحة العالمية» و«يونيسف» لمكافحة الكوليرا في اليمن. لكنّ الجهات الإنسانية تحذر من أن هذه الخطوات، رغم أهميتها، تظل محدودة ولا تفي بحجم الكارثة.
يحذر الخبراء والأمم المتحدة من أن وباء الكوليرا سيواصل انتشاره ما لم يُؤمَّن التمويل اللازم لتعزيز مراكز مكافحة الأمراض، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي، ودعم حملات التوعية المجتمعية.
لا كرامة دون صحة.. ولا صمود دون تمويل
ما يعيشه اليمن اليوم ليس أزمة صحية فقط، بل أزمة كرامة إنسانية واستجابة عالمية بطيئة. الكوليرا ليست مجرد مرض، بل مرآة لواقع يحتاج إلى تغيير جذري في طريقة الاستجابة والدعم الدولي.
وحتى يتحقق ذلك، سيبقى ملايين اليمنيين تحت رحمة أوبئة يمكن الوقاية منها، في انتظار تضامن عالمي يعيد إليهم حقهم في الحياة.