تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية هذه الأيام حالة من الارتباك والتخبط العميق داخل صفوف المعارضة، بعد إعلان حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان الانفصال عن الإطار المشترك للمعارضة والعمل بشكل مستقل. هذا القرار أتى ليُعزز حالة الانقسام التي طالما وسمت المشهد المعارض في إسرائيل، حيث تتوزع المعارضة اليوم إلى ثلاث مجموعات مختلفة، تفتقر إلى الحد الأدنى من التنسيق والثقة المتبادلة.
خطاب ضعيف
انفصال ليبرمان يعكس أزمة حقيقية داخل معسكر المعارضة، الذي لطالما جمعته نقطة وحيدة مشتركة: الرغبة في الإطاحة بنتنياهو. ولكن حتى هذه النقطة بدت هشّة، إذ اتهم ليبرمان زملاءه، يائير لبيد وبيني غانتس ويائير غولان، بالانحراف نحو اليسار وتقديم خطاب ضعيف لا يُقنع الجمهور الإسرائيلي ولا يتماشى مع الهدف المشترك الذي من أجله توحدوا في الأصل.
انقسام المعارضة، بهذه الطريقة، يخدم بنيامين نتنياهو بشكل واضح ومباشر. نتنياهو، السياسي المخضرم، اعتاد تاريخيًا استغلال انقسامات خصومه لتمكين نفسه من البقاء في سدة الحكم، حتى في أصعب الفترات التي كان يواجه فيها أزمات قضائية أو شعبية. كلما كانت المعارضة متفرقة ومتضاربة فيما بينها، كلما سهل عليه تقديم نفسه كخيار أكثر استقرارًا وقوة أمام جمهورٍ يميل إلى الحذر في وقت الأزمات.
على الرغم من أن استطلاعات الرأي تُظهر أن أغلبية من الجمهور الإسرائيلي (56%) لا تثق بنتنياهو، إلا أن انعدام البديل الجذاب والقوي من بين قادة المعارضة يجعله لا يزال الخيار الأكثر “أمانًا” بالنسبة لكثير من الناخبين. فراغ القيادة هذا يُعمّق أزمة المعارضة ويفتح الباب واسعًا أمام نتنياهو لمواصلة حكمه.
تخبط المعارضة
ومع ذلك، هناك متغير حاسم قد يعصف بهذه الحسابات: الشارع الإسرائيلي. حالة الغضب الشعبي، خاصة بعد الفشل الأمني والعسكري في الحرب الأخيرة على غزة، وانهيار الثقة بالمؤسسات السياسية، خلقت مزاجًا شعبيًا رافضًا لكل من يحكم حاليًا، بما في ذلك نتنياهو نفسه. هذا الغضب الكامن قد ينفجر بطريقة غير متوقعة، وقد يعطي دفعًا لشخصيات جديدة مثل نفتالي بينيت، الذي تشير استطلاعات إلى أنه قادر على التفوق على نتنياهو إذا خاض الانتخابات بحزب جديد قوي.
تخبط المعارضة اليوم بلا شك يصب مؤقتًا في مصلحة نتنياهو، لكنه ليس ضمانة أكيدة لاستمراره في الحكم على المدى المتوسط أو البعيد. فمزاج الشارع الإسرائيلي أصبح أكثر تقلبًا وتطرفًا في طلب التغيير، مما قد يطيح بجميع الحسابات التقليدية، بما فيها قدرة نتنياهو على استغلال الانقسامات لصالحه كما فعل في السابق.