تشهد إسرائيل في الوقت الراهن واحدة من أكثر اللحظات السياسية والاقتصادية توتراً منذ تأسيسها، حيث تتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية بشكل متزامن، وسط حرب متواصلة في غزة، واشتباكات متقطعة على أكثر من جبهة، وانهيار تدريجي في مكانة إسرائيل الدولية، يقابله احتقان شعبي متصاعد يحمّل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن هذه الأوضاع المتدهورة.
استنزاف ميزانية الطوارئ
من الناحية الاقتصادية، تسببت الحرب في غزة، إلى جانب التوترات المستمرة على الحدود الشمالية مع حزب الله وتزايد التهديدات من جماعات إقليمية، في شلل شبه كامل في قطاعات حيوية. النشاط التجاري داخل المدن الكبرى تراجع بنسبة ملحوظة، السياحة الخارجية توقفت تقريباً، وتكاليف الأمن والدفاع باتت تستنزف خزينة الدولة بوتيرة غير مسبوقة.
تشير التقديرات إلى أن إسرائيل تخسر يومياً مئات الملايين من الشواقل نتيجة هذه الحروب المتزامنة، حيث أصبحت ميزانية الطوارئ تُستهلك بوتيرة أسرع بكثير من قدرة الحكومة على تعويضها، خصوصاً مع تراجع الثقة الدولية وتوتر العلاقات مع الحليف الأهم: الولايات المتحدة.
خطر استراتيجي على إسرائيل
الاضطراب الاقتصادي ترافق مع أزمة اجتماعية عميقة. فالحرب المستمرة، واستدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط، وتزايد القتلى من الجنود والمدنيين، وتراجع الأمان في الجبهة الداخلية، خلقت حالة من القلق والإرهاق في الشارع الإسرائيلي. مظاهر الغضب لم تعد مقتصرة على النخب أو الأحزاب المعارضة، بل امتدت إلى قطاعات واسعة من المجتمع، بما في ذلك عائلات الجنود والمستوطنين وسكان البلدات الحدودية، الذين يشعرون بأن القيادة السياسية، وفي مقدمتها نتنياهو، تفتقر إلى رؤية واضحة أو خطة خروج من هذه الدوامة العسكرية والسياسية.
في خضم هذا المشهد، يتعرض نتنياهو لهجوم حاد من داخل إسرائيل، ليس فقط من قبل خصومه السياسيين، بل أيضاً من كتاب ومحللين كانوا في السابق أقرب إلى التيار اليميني أو الأقل نقداً للحكومة. المقال الأخير الذي نشره يوسي هدار في صحيفة “معاريف”، هو انعكاس صريح لهذا الانقلاب في المزاج العام، حيث لم يتهم الكاتب نتنياهو بالفشل فقط، بل وصف وجوده على رأس السلطة بأنه خطر استراتيجي على إسرائيل. هدار لم يكتف بالإشارة إلى تراجع الاقتصاد أو الانقسام المجتمعي، بل ذهب أبعد من ذلك ليحمل نتنياهو مسؤولية مباشرة عن إضعاف التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة، نتيجة ما وصفه بـ”السلوك الساخر والمخز” في التعامل مع الحلفاء.
عزلة دبلوماسية
السياسات التي انتهجها نتنياهو، وفق هذا التحليل، لم تتسبب فقط في عزلة دبلوماسية متزايدة، بل دفعت واشنطن إلى تبني سياسات تعكس عدم اكتراث بمواقف تل أبيب، بدءاً من تفاهمات مع الحوثيين مروراً بالمفاوضات النووية مع إيران، ووصولاً إلى صفقات الأسلحة مع دول كانت تصنف تقليدياً كـ”خصوم” لإسرائيل، مثل السعودية وتركيا.
هذا التحول في العلاقات الدولية يترك إسرائيل مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، دون ضمانات أمنية كاملة، ما يُفاقم الشعور العام في الداخل الإسرائيلي بأن الدولة لم تعد تُدار وفق حسابات وطنية، بل وفق اعتبارات نتنياهو للبقاء في الحكم.
غضب شعبي
الغضب الشعبي المتصاعد ترجم إلى دعوات صريحة لعزل نتنياهو، ومظاهرات في شوارع تل أبيب ومدن أخرى، تطالب بإقالته ومحاكمته على خلفية ما يُنظر إليه على أنه استغلال للسلطة، وتدمير ممنهج لمؤسسات الدولة. تتعالى أصوات تطالب بانتخابات فورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تعيد الاعتبار للسيادة السياسية، وترمم العلاقات الخارجية، وتضع حداً لسياسات التهرب من المسؤولية التي تسببت في انحدار غير مسبوق على كافة المستويات.
في المجمل، تعيش إسرائيل اليوم حالة من التراجع الاستراتيجي، يقابلها انكشاف داخلي وأزمة قيادة حقيقية. وفي القلب من كل ذلك، يقف بنيامين نتنياهو، كرمز للانقسام، والتدهور الاقتصادي، والعزلة الدولية، ما يجعل بقاءه في الحكم ليس فقط أزمة سياسية، بل تهديداً وجودياً لمشروع الدولة نفسه، كما بدأ يتردد بشكل متزايد في دوائر الرأي العام الإسرائيلي.