في اليوم الخمسين من استئناف الهجوم الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة، تواجه المستشفيات في القطاع حالة كارثية غير مسبوقة، تقف على حافة الانهيار الكامل، وسط شبح المجاعة الذي يزحف بلا هوادة. يعاني القطاع الصحي في غزة من شلل شبه تام، نتيجة الحصار المحكم ومنع دخول المساعدات، في وقت تستمر فيه آلة الحرب الإسرائيلية في قصف البنى التحتية، بما في ذلك المراكز الصحية، والمرافق الحيوية المرتبطة بالمياه والكهرباء.
التهجير القسري للأطباء
مستشفيات غزة، التي كانت تعاني أصلًا من هشاشة مزمنة قبل الحرب، أصبحت الآن عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات. لا أدوية، لا مستلزمات جراحية، لا أجهزة تعمل بشكل منتظم، ولا حتى طواقم طبية كافية، بعد استهداف العديد من المستشفيات بالنيران المباشرة أو التهجير القسري للأطباء والمرضى منها. كثير من الجرحى يُتركون لينزفوا حتى الموت، وأعداد وفيات الأطفال بسبب الجفاف وسوء التغذية بدأت تتصاعد بشكل خطير، ما دفع المنظمات الإنسانية والطبية إلى دق ناقوس الخطر.
الأوضاع تفاقمت بشكل حاد بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الهجوم سيتصاعد، ولن يقتصر على عمليات محدودة، بل سيتحول إلى “تواجد دائم” في القطاع. تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أكدت ذلك بشكل صارخ، حيث أعلن أن إسرائيل لا تنوي الانسحاب من المناطق التي ستسيطر عليها برياً، حتى وإن كان ذلك مقابل إطلاق سراح الرهائن. وهو ما يوضح بجلاء أن إسرائيل تعتمد سياسة الأرض المحروقة، دون اعتبار للمدنيين أو للحد الأدنى من القواعد الإنسانية.
تحذير الأونروا
في ظل هذه السياسة، يصبح القطاع الصحي هدفًا غير مباشر لكنه فعّال في خنق المقاومة وكسر صمود المدنيين. إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يستمر في الحياة، أو حتى البقاء، من دون منظومة صحية فاعلة. ومما يزيد من مأساوية الوضع أن الاحتلال يمنع دخول المساعدات الطبية والغذائية بشكل منهجي، ضمن ما يشبه “حرب التجويع” التي تُستخدم كأداة للضغط السياسي والعسكري.
تفاقم الأزمة لا يشمل غزة فقط، بل يمتد إلى الضفة الغربية، حيث بدأ الاحتلال تنفيذ مخطط هدم جماعي لمنازل المدنيين في مخيمي طولكرم ونور شمس، ما يعكس توجهًا عامًا نحو التهجير القسري. الأونروا حذرت من خطورة هذه الخطوة، باعتبارها تصعيدًا ممنهجًا لعمليات التطهير العرقي، ما يفتح الباب لموجات لجوء ونزوح جديدة داخل الأراضي الفلسطينية.
المستشفيات باتت عاجزة
أما خارج الحدود، فقد امتدت دائرة الحرب إلى اليمن، حيث شنت إسرائيل غارات كثيفة على ميناء الحُديدة ومنشآت صناعية، كرد على استهداف الحوثيين لمطار بن غوريون. وهو تصعيد جديد ينذر بتحول الحرب إلى نزاع إقليمي واسع.
في قلب كل هذه التطورات، تظل غزة ومواطنيها هم الضحية الأولى. المستشفيات باتت عاجزة عن استقبال مزيد من المصابين. الأطفال يموتون بصمت. والكارثة تتعمق كل يوم. لكن الأخطر هو أن هذه المأساة تُدار بوعي، وبقرار سياسي واضح، يجعل من الصحة والغذاء والماء أدوات قتال، لا وسائل حياة.
هل ما زال المجتمع الدولي يملك القدرة على التحرك؟ أم أن العالم قرر أن يراقب بصمت “موت غزة” بالتقسيط؟