في مؤشر واضح على تصاعد الخلافات داخل معسكر دونالد ترامب، وجّه ستيف بانون، كبير مستشاريه الاستراتيجيين السابقين، انتقادات غير مسبوقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، متهمًا إياه بمحاولة فرض أجندته على السياسة الخارجية الأميركية، خصوصًا في ما يتعلق بإيران. هذا الهجوم الحاد الذي صدر خلال برنامجه الإذاعي “غرفة الحرب”، يعكس عمق الشرخ الآخذ في الاتساع داخل التيار المحافظ الأميركي بشأن دور واشنطن في الشرق الأوسط، ومستقبل التحالف مع تل أبيب.
بانون، الذي لطالما اعتُبر “العقل المفكر” لحملة “أميركا أولاً”، تساءل بغضب: “من أنت بحق الجحيم لتحاضر على الشعب الأميركي؟”، في إشارة إلى نتنياهو، مشددًا على أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لتحمّل تبعات قرارات إسرائيل، خصوصًا تلك المتعلقة بالمواجهة المحتملة مع إيران.
تحذير من حرب قد تُنهي “الحركة”
وجاءت تصريحات بانون في أعقاب تقارير تحدثت عن موافقة ترامب، من حيث المبدأ، على خطط عسكرية ضد إيران، في حال لم تُبد طهران استعدادًا للتراجع عن مسارها النووي. غير أن بانون حذر بشدة من أن جرّ الولايات المتحدة إلى حرب كهذه “قد يكون نهاية لحركتنا”، في إشارة إلى التيار الشعبوي الذي أوصل ترامب إلى الحكم عام 2016، وما زال يراهن على عودته في 2025.
وأشار إلى أن “هذا ليس تهديدًا عابرًا بل حقيقة سياسية يجب أن تُواجه”، مضيفًا أن “تدخّل إسرائيل في توجهات السياسة الخارجية الأميركية يهدد بتقسيم صفوف التيار المحافظ، ويقوّض فرص ترامب بالعودة إلى البيت الأبيض”.
نتنياهو في مرمى الاتهام
وكان نتنياهو قد صرح في مقابلة مع شبكة “ABC” قائلاً: “اليوم تل أبيب، غدًا نيويورك”، في تحذير مبطن من امتداد التهديد الإيراني. لكن بانون رد بغضب على هذا الخطاب، معتبراً أن “إسرائيل تدفع الولايات المتحدة نحو سيناريو كارثي لا يمكن الخروج منه”، متهمًا نتنياهو بالسعي لاستخدام واشنطن كأداة في صراعاته الإقليمية.
وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “لم يكن يسعى إلى حل دبلوماسي خلال مفاوضات ترامب الأولى مع إيران، بل كان هدفه هو تفكيك الدولة الإيرانية، وليس احتواء خطرها النووي”.
هجوم على “فوكس نيوز” ونجومها
بانون لم يكتف بانتقاد نتنياهو، بل وجّه سهامه أيضًا نحو الإعلام الأميركي المحافظ، وخصوصًا قناة “فوكس نيوز”، التي قال إنها تحاول الضغط على ترامب للانخراط في الحرب. ووجه اتهامًا مبطنًا للمعلق مارك ليفين، المعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل، بأنه يساهم في دفع البيت الأبيض نحو التصعيد.
واعتبر أن “فوكس”، المملوكة لروبرت مردوخ، لم تتخل فقط عن مبادئ “أميركا أولاً”، بل أصبحت تسعى لتهميش ترامب لصالح أسماء أخرى مثل رون ديسانتيس ونيكي هايلي، مضيفًا: “راهنوا عليهم… وفشلوا”.
هل بدأ الانقسام؟
تعليقات بانون تعكس ما قد يتحول إلى انقسام بنيوي داخل اليمين الأميركي: بين جناح قومي شعبوي يرفض الحروب الخارجية ويرى أن واشنطن يجب أن تعيد ترتيب أولوياتها، وجناح آخر لا يزال ملتزماً بشراكة استراتيجية مع إسرائيل، ولو كان ذلك على حساب التورط في صراع إقليمي مفتوح.
المعركة، بحسب مراقبين، لم تعد فقط حول إيران أو إسرائيل، بل حول هوية السياسة الخارجية الأميركية في عهد ما بعد ترامب، وما إذا كانت “أميركا أولاً” ستبقى شعارًا انتخابيًا فقط، أم مبدأ حاكمًا يفرض الانكفاء، ولو على حساب حلفاء تاريخيين.