في خطوة مفاجئة تعكس محاولة لاستعادة الدور الأميركي التقليدي في إدارة الأزمات الدولية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه سيجري اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين صباح الاثنين المقبل، في مبادرة تهدف إلى وقف نزيف الدم المستمر في أوكرانيا، والذي يقدّر، بحسب ترمب، بنحو 5 آلاف قتيل أسبوعيًا بين الروس والأوكرانيين. التحرك الجديد، الذي وصفه ترمب بأنه قد يشكل “نقطة تحول”، يعيد تشكيل مشهد الحرب المتعثرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ويضع على الطاولة فرصة قد تكون حاسمة لتفعيل مسار السلام، إن لم يكن لإنهاء النزاع، فعلى الأقل لتجميده.
ترمب يعود إلى واجهة الدبلوماسية الدولية
هذا التحرك يعكس عودة الرئيس الأميركي إلى استخدام قنوات القوة الناعمة عبر الوساطة المباشرة، مستفيدًا من موقعه كرئيس فعلي يعيد توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة. فإعلانه عن مكالمة مرتقبة مع بوتين يتبعها اتصال بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ثم لقاءات مع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يشير إلى تحرك منسق ومدروس. بل يمكن القول إن ترمب يسعى لأن يكون المحور الذي تدور حوله مبادرة دولية لحلحلة الأزمة.
ما يعزز هذه الفرضية هو تصريحاته من أبوظبي يوم الجمعة، والتي أعلن فيها نيته لقاء بوتين في أقرب وقت، ما يوحي بأن المكالمة الهاتفية ليست سوى مقدمة لمسار تفاوضي أكثر شمولاً قد يتخذ طابعًا شخصيًا مباشرًا، وهو الأسلوب الذي اشتهر به ترمب في تعاملاته الدبلوماسية السابقة، سواء مع كوريا الشمالية أو خلال مفاوضات التجارة مع الصين.
تلاقٍ في القنوات السياسية والدبلوماسية
بالتوازي مع إعلان ترمب، برزت تحركات موازية على مستوى وزراء الخارجية، حيث تحدث ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في مكالمة وُصفت بالبناءة من الجانبين. وركزت المحادثة، وفق بيان واشنطن، على دعم خطة ترمب لوقف القتال وعلى اتفاق تبادل الأسرى الذي تم التوصل إليه في إسطنبول.
هذه الحركة المزدوجة – من الرئاسة والوزارة – توحي بوجود إجماع داخل الإدارة الأميركية الجديدة على تبني مسار دبلوماسي أكثر انخراطاً في الأزمة، بعيدًا عن النمط التقليدي الذي اعتمد العقوبات والردع كوسيلة وحيدة. إنها محاولة لترسيخ نموذج “الصفقة الكبرى” في السياسة الخارجية الأميركية مجددًا.
إسطنبول تعود إلى الواجهة: بداية مسار تفاوضي؟
بالتوازي، استضافت إسطنبول أول جولة مفاوضات مباشرة بين الروس والأوكرانيين منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما يؤشر إلى انفراجة محتملة، ولو أولية، في المشهد المعقد. الاتفاق على تبادل ألف أسير من كل جانب – برغم رمزيته – يمثل بوابة إنسانية نحو بناء الثقة بين الطرفين. كما أن طلب كييف عقد لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي يعكس جدية في اختبار فرص التهدئة، وإن كانت النوايا وحدها لا تكفي لحسم المسار.
تحديات أمام المبادرة الأميركية
رغم الطابع الإيجابي العام لهذه التحركات، فإن الطريق لا يبدو معبّدًا تمامًا. هناك مجموعة من العقبات تعترض جهود ترمب، أبرزها:
-
الشكوك الأوروبية: الدول الأعضاء في الناتو – وخاصة أوروبا الشرقية – لا تزال تنظر بريبة إلى أي مبادرة تقارب أميركية-روسية قد تأتي على حساب مصالحها الأمنية، خاصة أن بعضها يرى في ترمب زعيمًا لا يُعوّل عليه في المدى البعيد.
-
الشكوك الأوكرانية: زيلينسكي، رغم الترحيب الظاهر بأي وساطة، قد يجد نفسه أمام معضلة داخلية، خاصة أن الرأي العام الأوكراني والمجتمع السياسي منقسم إزاء تقديم تنازلات لروسيا.
-
الطموحات الروسية: موسكو، من جهتها، قد تسعى إلى استخدام هذه المفاوضات لكسر العزلة الغربية وتثبيت المكاسب الميدانية، لا لتقديم تنازلات حقيقية.
خاتمة: هل نقترب من نهاية الحرب؟
تحركات ترمب تشير إلى لحظة اختبار حقيقية في الحرب الأوكرانية، تتقاطع فيها الإرادات الدولية مع الرغبة في وقف حمام الدم، لكن النجاح لا يتوقف فقط على النوايا أو الاتصالات الهاتفية. ما يُطلب حاليًا هو تصور واضح لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، يضمن سيادة أوكرانيا من جهة ويمنح روسيا مخرجًا مقبولاً من المستنقع الذي غرقت فيه منذ اندلاع الحرب.
يبدو أن الكرة الآن في ملعب القادة: هل ينجح ترمب في فرض إرادته كصانع سلام هذه المرة؟ أم سيكون هذا الجهد مجرد جولة جديدة في مسلسل طويل من المبادرات غير المكتملة؟ الأيام القادمة، لا سيما يوم الاثنين المنتظر، قد تحمل إجابة أولية على هذا السؤال.