وضع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر حكومته في حالة استعداد قصوى، وسط مؤشرات متزايدة على احتمال تنفيذ الولايات المتحدة هجومًا عسكريًا على إيران. وبحسب ما نقلته صحيفة فاينانشال تايمز عن مسؤولين بريطانيين، فإن الوضع يُوصف بـ”الخطير والمتقلب”، حيث تثير التحركات العسكرية الأميركية، خاصة تلك المرتبطة باستخدام قاعدة دييغو غارسيا البريطانية، قلقًا متزايدًا في أروقة الحكم في لندن.
التحذير من أن انطلاق أي عملية عسكرية من هذه القاعدة قد يُقحم بريطانيا، ولو ضمنيًا، في الصراع المحتدم، دفع الحكومة البريطانية إلى اتخاذ تدابير طارئة، في وقت تتصاعد فيه نذر مواجهة إقليمية مفتوحة بين إيران وإسرائيل، مع احتمال تورط واشنطن بشكل مباشر.
اجتماع كوبرا: تنسيق أمني ودبلوماسي مكثف
استشعارًا لخطورة الوضع، ترأس رئيس الوزراء اجتماعًا طارئًا للجنة الطوارئ المدنية “كوبرا”، وهو الهيكل الحكومي المعني بإدارة الأزمات الكبرى. ويأتي هذا التحرك بعد عودته مباشرة من قمة مجموعة السبع التي عُقدت في كندا، حيث شدد ستارمر وقادة غربيون آخرون على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وسط تباين الرؤى بشأن كيفية التعامل مع التصعيد الإيراني-الإسرائيلي.
ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، فإن الاجتماع ركز على تقييم الوضع الأمني الإقليمي، إلى جانب بحث سبل حماية المواطنين البريطانيين في مناطق التوتر، ومتابعة الجهود الدبلوماسية الجارية لاحتواء الأزمة.
قلق من الانجرار إلى الصراع
يشير حرص لندن على الدعوة العاجلة لاجتماع كوبرا إلى قلقها الحقيقي من أن تجد نفسها متورطة، بشكل أو بآخر، في أي تصعيد عسكري تقوده الولايات المتحدة. ويبدو أن قرب القاعدة الأميركية دييغو غارسيا – الواقعة في المحيط الهندي والخاضعة للسيادة البريطانية – من مسرح العمليات المحتملة، هو ما يُغذي هذا القلق، في ظل التداخل بين الأدوار العسكرية والسياسية لحلفاء الناتو.
ورغم أن الحكومة البريطانية لم تعلن رسميًا موقفًا من الضربات الإسرائيلية أو احتمال تدخل واشنطن، إلا أن وتيرة التحركات الأمنية والوزارية تُوحي بأن لندن تفضل حتى الآن البقاء في موقع الحذر، مع السعي لحماية مصالحها ومواطنيها دون الدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبة.
جهود لحماية المصالح البريطانية وسط العاصفة
أكد المتحدث باسم الحكومة أن الوزراء اطلعوا خلال الاجتماع على الخطوات المتخذة لتأمين رعايا المملكة المتحدة في الشرق الأوسط، إلى جانب متابعة الاتصالات الجارية مع الشركاء الدوليين، سواء لاحتواء التصعيد أو للتنسيق في حال حدوث تطورات مفاجئة.
هذا النوع من الاستعدادات يعكس إدراك بريطانيا لحساسية موقعها السياسي والعسكري، خصوصًا في ظل علاقة التحالف الوثيقة مع الولايات المتحدة من جهة، ورغبتها في التمايز الدبلوماسي الذي يُتيح لها لعب دور موازن في أزمات دولية متصاعدة من جهة أخرى.
توازن هش في مرحلة حساسة
الاستجابة البريطانية، وإن بدت في ظاهرها وقائية، تكشف عن إدراك عميق للمخاطر التي تنطوي عليها أي مواجهة واسعة النطاق بين طهران وخصومها. وفي ظل الضغوط الأميركية لتشكيل جبهة دعم سياسي وعسكري، تواجه لندن اختبارًا دقيقًا بين الوفاء بالتزاماتها كحليف تقليدي لواشنطن، والحفاظ على موقعها كفاعل دولي يدعو إلى التهدئة وتفادي الانزلاق نحو مواجهة شاملة لا رابح فيها.
في الوقت الراهن، تبدو بريطانيا حريصة على أن تظل في موقع المتابع الحذر، مع جاهزية كاملة لمواجهة أي تطورات قد تفرضها تحولات الساعات أو الأيام المقبلة، في منطقة تقف بالفعل على حافة الانفجار.