أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا والسفير الأميركي في تركيا، توماس باراك، عن لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، في مدينة إسطنبول التركية، وذلك بعد الإعلان عن رفع العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق.
ووصف باراك اللقاء بأنه يأتي تنفيذًا لـ”قرار الرئيس ترامب الجريء لفتح الطريق للسلام والازدهار في سوريا”، في إشارة إلى تحول استراتيجي في موقف واشنطن من الحكومة السورية الجديدة التي تشكلت عقب سقوط نظام بشار الأسد.
غياب دمشق: دلالة رمزية أم رسالة سياسية؟
تثير مسألة انعقاد اللقاء في إسطنبول، وليس في العاصمة السورية دمشق، تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذا الاختيار:
-
استبعاد مقصود أم اعتبارات أمنية؟
قد يبرر البعض هذا القرار باعتبارات أمنية ودبلوماسية، نظرًا للضبابية المحيطة بمرحلة ما بعد الأسد والقلق الأميركي من استقرار مؤسسات الدولة السورية الجديدة. إلا أن البعض الآخر يراه رسالة مقصودة من واشنطن بعدم منح الشرع الشرعية الكاملة بعد، بانتظار خطوات ملموسة على الأرض من النظام الجديد. -
اختبار نوايا مبطن
يمكن قراءة اللقاء في إسطنبول كمحاولة أميركية لـ”جس النبض”، عبر رصد استعداد الحكومة السورية الجديدة للانخراط في مسار تفاوضي حقيقي يضمن مصالح واشنطن وحلفائها. المكان المحايد – إسطنبول – قد يشير إلى تحفظ أميركي من تقديم اعتراف كامل.
دلالات توقيت اللقاء: بين رفع العقوبات وتغيّر اللهجة الأميركية
يتزامن اللقاء مع رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وهو تطور غير مسبوق منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. رفع هذه العقوبات جاء عقب سلسلة إشارات دبلوماسية من دمشق الجديدة بانفتاحها على تسوية إقليمية ودولية شاملة، لا سيما فيما يخص العلاقة مع المعارضة والوجود الإيراني.
التقاء باراك بالرئيس الشرع بعد ساعات من إعلان رفع العقوبات يعزز الانطباع بأن القرار الأميركي لم يكن ارتجاليًا بل جزءًا من تفاهمات مبدئية تم التوصل إليها في الكواليس.
الشرع في المشهد: رئيس أم موفد؟
رغم أن أحمد الشرع يتقلد رسميًا منصب “رئيس الجمهورية السورية”، إلا أن ترتيبات اللقاء ومكان انعقاده وسياقه الدبلوماسي توحي بأن واشنطن لم تتعامل معه حتى الآن كرئيس شرعي كامل الصلاحية. فلقاء رئيس دولة في أرض ثالثة هو عرف يُستخدم غالبًا مع قادة غير معترف بشرعيتهم الكاملة، أو في مراحل انتقالية حساسة.
ومع ذلك، فإن قبول باراك بلقائه شخصيًا، وليس عبر وسيط أو موظف منخفض الرتبة، يحمل في طياته اعترافًا أميركيًا مبدئيًا بشرعية الحكومة الجديدة، ولو من باب الأمر الواقع.
ردود فعل دمشق: ترحيب حذر أم احتفال مبكر؟
بحسب البيان الأميركي، فإن الشرع “أشاد بالقرار الأميركي برفع العقوبات”، وهي إشارة إلى أن دمشق تسعى لاستثمار هذه اللحظة سياسيًا واقتصاديًا. إلا أن عدم صدور بيان رسمي سوري مفصل حتى الآن، قد يشير إلى أن النظام الجديد يريد اختبار مدى جدية واشنطن في التغيير قبل الانخراط الكلي في مشروع تقارب.
انعاكاسات الزيارة على الوضع الإقليمي والدولي
-
عودة سوريا إلى المحور الدولي
لقاء إسطنبول يشير إلى بدء مرحلة جديدة قد تشهد عودة تدريجية لسوريا إلى الساحة الدبلوماسية العالمية، لا سيما إذا تلتها لقاءات مشابهة مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة. -
ارتباك في محور طهران – موسكو؟
هذا التحول الأميركي قد يسبب إرباكًا لحلفاء دمشق التقليديين، خصوصًا طهران، التي تخشى من فقدان نفوذها لصالح تفاهم أميركي-سوري جديد يعيد رسم توازنات الإقليم. -
رسالة للمعارضة السورية
بقدر ما هو لقاء مع الحكومة، فإن اللقاء يحمل رسالة مبطنة للمعارضة السورية بأن واشنطن بدأت التعاطي مع الواقع الجديد، وقد تسعى إلى إعادة ضبط أولوياتها بناء على متغيرات الميدان.
زيارة “اختبارية” ترسم حدود العلاقة المقبلة
لقاء المبعوث الأميركي بالرئيس السوري الجديد في إسطنبول هو حدث دبلوماسي بامتياز، لكنه غير مكتمل الأركان سياسيًا. فواشنطن، وإن رفعت العقوبات، لا تزال تتريث في إعلان موقف نهائي من النظام الجديد، وتتعامل معه حتى الآن كـ”واقع يجب التعامل معه” وليس “شريكًا موثوقًا”.
المكان، والتوقيت، ونوعية الوفد، كلها إشارات على أن الإدارة الأميركية تسير بخطوات محسوبة نحو دمشق، لكنها تترك الباب مفتوحًا لأي تراجع في حال لم تلمس تغييرًا حقيقيًا في البوصلة السياسية السورية.