عاد الأمل لسوريا بعد سداد الديون عقب سنوات من العزلة الاقتصادية والانهيار المالي الحاد، وبدأت البلاد في استعادة توازنها تدريجياً، مدفوعة بسداد جزء كبير من ديونها الخارجية، وبدء تحركات إصلاحية يقودها الرئيس الحالي أحمد الشرع، أحد أبرز الأسماء التي تصدرت المشهد في مرحلة ما بعد الحرب والعقوبات.
ويواجه الشرع تحدياً بالغ الصعوبة، إصلاح إرث اقتصادي ثقيل خلفه نظام بشار الأسد، والتأسيس لمرحلة جديدة من التنمية والاستقرار.
لماذا تحوّل “الشرع” إلى أمل السوريين؟
أحمد الشرع، الذي تم تكليفه بإدارة المرحلة الاقتصادية الانتقالية، عقب تحولات سياسية كبيرة شهدتها البلاد، بخلاف الشخصيات التقليدية في النظام السوري، جاء محملاً برؤية إصلاحية شاملة، وأسلوب إداري يعتمد على الكفاءة والحوكمة، لا الولاء السياسي.
بدأ الشرع بإطلاق حزمة من الإصلاحات البنيوية، تضمنت إعادة هيكلة الجهاز المصرفي، بما يشمل دمج بعض المصارف العامة وإعادة رسملة البنوك المتعثرة، وكذلك رفع الدعم التدريجي الذكي، مع تحويل الفوائض لدعم الفئات الأضعف عبر برامج التحويلات النقدية، مع إصلاح النظام الضريبي لضمان عدالة أكبر في توزيع العبء المالي وزيادة الإيرادات، كما تمقرر مكافحة الفساد، عبر تشكيل لجنة رقابة مستقلة وتحويل العشرات من ملفات الفساد الكبرى إلى القضاء.
ويحاول “الشرع” الآن دعم وتشجيع القطاع الخاص، وتسهيل تراخيص المشاريع، وفتح نوافذ تمويلية جديدة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
خطة الشرع المستقبلية: ماذا سيفعل؟
في تصريحات خاصة لمصادر اقتصادية، يعمل أحمد الشرع على تحضير حزمة إصلاحات تشمل تحرير جزئي لسعر الصرف بطريقة مدروسة لجذب الاستثمارات وتحقيق الاستقرار النقدي، وفتح قطاعات حيوية أمام الاستثمارات الأجنبية، مثل الطاقة المتجددة، والسياحة، والزراعة الحديثة، إضافة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة في المدن الكبرى، من خلال شراكات مع الدول العربية والصناديق الإقليمية، فضلا عن إصلاح القضاء التجاري لجذب المستثمرين وضمان شفافية فض المنازعات، وإعادة توزيع خارطة التجارة الخارجية، مع التركيز على شركاء جدد في الخليج وآسيا.
كيف يستعيد بريق سوريا؟
يُراهن أحمد الشرع على “الاقتصاد كأداة دبلوماسية” لاستعادة مكانة سوريا الإقليمية، عبر الانفتاح على الأسواق الخليجية وتفعيل الاتفاقيات التجارية المجمّدة، وتشجيع الصادرات السورية التقليدية كالنسيج والزيتون والصناعات الدوائية، وأيضا تعزيز الدور السوري في خطوط التجارة الإقليمية، مستفيداً من موقع البلاد بين أوروبا وآسيا.
ورغم التفاؤل، لا تخلو طريق الشرع من العوائق، أبرزها بنية إدارية مترهلة وفاسدة لا تزال تعمل بعقلية ما قبل 2011، ونقص السيولة وضعف الاحتياطات الأجنبية بعد سنوات من العقوبات والحصار، وعدم الاستقرار السياسي الكامل، ما يضعف الثقة لدى المستثمرين والشركاء، بجانب تفاوت في الدعم الشعبي، خاصة مع آثار رفع الدعم التدريجي على الطبقات الفقيرة.
وزير الاقتصاد: رفع العقوبات لا يكفي وحده
من جانبه، أكد وزير الاقتصاد نضال الشعار في تصريحات ترامب صحفية، أن رفع العقوبات الأميركية يمثل خطوة أولى، لكن أثرها سيظل محدوداً دون إصلاحات اقتصادية حقيقية. وأشار إلى أن المواطن السوري لن يشعر فوراً بالتحسن، بل يحتاج الأمر إلى وقت وتخطيط واستقرار طويل الأمد.
وبين أنقاض الحرب، ونظام اقتصادي أنهكه الفساد والاستبداد المتبقي من إرث بشار الأسد، يحاول أحمد الشرع بناء “سوريا جديدة”، قائمة على الإنتاج والكفاءة، لا على الأمن والولاء.
ورغم التحديات، يرى مراقبون أن سداد الديون وبدء رفع العقوبات يشكلان نافذة نادرة، إذا أحسن الشرع إدارتها، فقد تعود سوريا إلى خريطة الشرق الأوسط، ليس فقط كدولة، بل كلاعب اقتصادي مهم.
دعم شعبي واسع
وشعبيا، نال أحمد الشرع محبة شريحة واسعة من السوريين نتيجة عدة مواقف وخطوات ميدانية ميزته عن سابقيه، وأظهرت أنه يسعى بصدق لإصلاح ما أفسده النظام السابق. ومن أبرز ما فعل رفضه للمحاصصة والولاءات، فمنذ اليوم الأول، أعلن أنه لن يعين أحداً على أساس الولاء السياسي أو الطائفي، بل الكفاءة فقط.
كما أطاح بعدد من الشخصيات المحسوبة على النظام القديم رغم نفوذها، وأحال بعضهم للتحقيق في قضايا فساد.
كما اعتمد خطاباً شفافاً ومباشراً مع المواطنين، وابتعد عن الأسلوب الدعائي المعتاد، فكان أول مسؤول رفيع المستوى ينشر تفاصيل ممتلكاته ودخله علناً، كبادرة لزرع الثقة، كما خفض التكاليف المعيشي، بإطلاق برنامج “خبز بسعر واحد للجميع” الذي وحد الأسعار بين الفقراء والأغنياء، ودعم المشاريع الصغيرة في الريف، مما خفف من الهجرة الداخلية وساعد الأسر في كسب دخل مستقل.
لم يكتف بالحديث عن الإصلاح، بل بدأ بتنفيذ خطوات واقعية، كإصلاح شبكات الكهرباء في المدن المحرومة، وإعادة فتح المدارس والمستشفيات المغلقة بميزانيات محدودة لكنها فعالة، وتحويل مكاتب الحكومة إلى “مراكز خدمة إلكترونية” لتقليل الفساد والواسطة، واعاد التفاوض على اتفاقات اقتصادية جائرة كانت مرهونة بالخارج.
كما دعا شخصيات وطنية من أطياف مختلفة للعمل في لجان إصلاح، بمن فيهم معارضون سابقون، وتنازل عن مخصصات فارهة في السكن والتنقل، فيعيش في منزل متواضع داخل دمشق، ما جعله أقرب للناس وأبعد عن صورة “الزعيم المتسلط”.