في خطوة لافتة أنهت أسابيع من الشائعات والتكهنات، ظهر المرشد الإيراني علي خامنئي علنًا، خلال مشاركته في مراسم إحياء ذكرى عاشوراء داخل حسينية مكتبه في منطقة باستور وسط طهران، وهو أول ظهور له منذ الهجوم الإسرائيلي المباغت على العاصمة قبل ثلاثة أسابيع.
بثّ التلفزيون الرسمي مشاهد حية لخامئني أثناء دخوله الحسينية، وسط استقبال حافل من رجال دين وعناصر من «الحرس الثوري» والمقرّبين من النظام، الذين رددوا هتافات مثل: «دماء عروقنا فداء قائدنا»، في إشارة إلى محاولة طمأنة الرأي العام المحلي والدولي حول وضعه الصحي والسياسي.
ثلاثة أسابيع من الغموض: أين كان خامنئي؟
غياب خامنئي عن الأنشطة العلنية، منذ الهجوم الإسرائيلي الذي أسفر عن مقتل عدد من كبار قادة «الحرس الثوري» وعلماء في البرنامج النووي الإيراني، أثار تكهنات واسعة حول حالته الصحية، بل وذهب البعض إلى الحديث عن ترتيبات طارئة لمرحلة ما بعد خامنئي.
ورغم ظهوره مرتين برسائل مصورة منذ وقف إطلاق النار في 25 يونيو، فإن عدم حضوره الشخصي في مناسبات رئيسية، مثل خطبة الجمعة أو لقاءات عسكرية، فُسّر على أنه مؤشر قلق داخل بنية النظام.
وبحسب مراقبين، فإن الظهور الجديد جاء مدروسًا ومُصممًا لبعث رسالة مزدوجة: الطمأنة الداخلية والردّ على الخصوم الخارجيين.
رسائل سياسية في مراسم دينية: عاشوراء بحلة أمنية
اختار المرشد الإيراني توقيت ظهوره بعناية، حيث تزامن مع مراسم عاشوراء، المناسبة التي طالما استخدمها النظام لتوجيه رسائل تعبئة شعبية وسياسية. وبدت المراسم، التي أُقيمت وسط إجراءات أمنية مشددة، وكأنها استعراض قوة وولاء في وجه التهديدات المتزايدة من الداخل والخارج.
وقد علق الباحث الإيراني المعارض في المنفى، رضا بهلوي، قائلاً: «هذا الظهور لا يحمل بعداً دينياً فقط، بل هو استعراض صريح بأن المرشد ما زال في المشهد، رغم الضربة القاسية التي تلقاها النظام».
قلق فرنسي من اختفاء شاب في طهران.. والاتهامات تتصاعد
في سياق موازٍ، أعلن مصدر دبلوماسي فرنسي عن فقدان شاب فرنسي في طهران منذ 16 يونيو، وسط صمت رسمي من السلطات الإيرانية. وتأتي هذه الحادثة في وقت يشهد توتراً غير مسبوق بين باريس وطهران، على خلفية ملفات أمنية واتهامات متبادلة بالتجسس.
وقال المصدر إن السفارة الفرنسية في طهران تتابع القضية عن كثب، مضيفاً أن «اختفاء المواطن الفرنسي مقلق للغاية، خاصة في ظل السياق السياسي القائم والاحتجاز الطويل لمواطنين فرنسيين آخرين بتهم مشكوك فيها».
وفي السنوات الأخيرة، استخدمت إيران ملف الرهائن الغربيين كورقة ضغط دبلوماسية، وهو ما تعتبره باريس “سلوكاً خطيراً يتعارض مع القانون الدولي”.
تحليل سياسي: استعراض متأخر أم بداية مرحلة جديدة؟
يرى المحلل الإيراني حسن داوودي أن الظهور العلني لخامنئي بعد الغياب الطويل «محاولة لاحتواء ارتباك داخلي ظهر جليًا بعد الهجوم الإسرائيلي»، مشيراً إلى أن توقيت الظهور مرتبط أيضاً بتحولات داخل بنية النظام.
وأضاف داوودي: «ما بعد الهجوم ليس كما قبله. هناك تآكل واضح في هيبة الحرس الثوري، وتزايد للضغط الدولي، خصوصًا مع تحرك فرنسا وبريطانيا وألمانيا لإعادة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن».
ويرى مراقبون أن النظام الإيراني بدأ يتحرك لتوحيد الصفوف، وإعادة ضبط الإيقاع الداخلي في مواجهة تحديات متزامنة: اغتيالات داخلية، اختراقات أمنية، عزلة خارجية، وغليان اجتماعي متزايد منذ الاحتجاجات الأخيرة.
ظهور خامنئي العلني لم ينهِ الجدل، لكنه أعاد ترتيب الأوراق في طهران. في وقت تتصاعد فيه الأسئلة حول مستقبل النظام، وأدواته، وعلاقاته الدولية، لا سيما مع الغرب، الذي ينظر بقلق متزايد إلى سلوك طهران في ملفات الأمن الإقليمي، واحتجاز الرعايا الأجانب، والطموحات النووية.