اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى لا يمكن اعتباره مجرد حدث عابر، بل هو مؤشر واضح على سياسات إسرائيلية ممنهجة تتعمد فرض واقع جديد في الحرم القدسي، وتحمل دلالات سياسية ودينية عميقة تستفز مشاعر الفلسطينيين والمسلمين حول العالم.
استفزاز وتحدي لمكانة المسجد الأقصى
بن غفير ليس مجرد وزير عادي، بل يمثل تيارًا يمينيًا متطرفًا صعد إلى السلطة نتيجة تحالفات سياسية داخل إسرائيل، واستثمر وجوده الرسمي لتمرير أجندة قائمة على الاستفزاز والتحدي لمكانة المسجد الأقصى التاريخية والدينية. من الناحية القانونية، وبحكم منصبه كوزير للأمن القومي، فإن لديه سلطة تنسيق مع الشرطة الإسرائيلية التي تُشرف على “النظام” في مدينة القدس، وبموجب هذا الدور، يمكنه أن يوجّه السياسات الأمنية الخاصة بالمكان، بما في ذلك توفير الحماية للاقتحامات الجماعية للمستوطنين.
ما فعله بن غفير اليوم، ويفعله بشكل متكرر، يحمل رسائل متعددة:
أولاً، هو محاولة لفرض “سيادة إسرائيلية” رمزية وميدانية على المسجد الأقصى، في إطار ما يعرف في الخطاب الإسرائيلي بـ”توحيد القدس”، وهي عبارة ملغومة تعني ضمّ الجزء الشرقي المحتل من المدينة، بما في ذلك الأقصى، إلى “السيادة الإسرائيلية الكاملة”.
ثانياً، هذه الاقتحامات تأتي في سياق استراتيجية مستمرة لتقويض الوجود الإسلامي في الحرم، وخلق واقع تراكمي جديد عبر الاقتحامات والطقوس التلمودية والرقصات والرموز الدينية التي لم تكن تحدث بهذا الشكل الفجّ من قبل.
ثالثاً، المشهد يُستخدم سياسيًا داخليًا من قِبل بن غفير لتغذية قاعدته اليمينية، وإثبات التزامه بالوعود الانتخابية المتطرفة، حيث أن حضوره هناك يعطيه نقاطًا إضافية في مجتمع يُهيمن عليه الفكر الديني القومي المتطرف في بعض الأوساط.
إسرائيل لا تخضع للمساءلة
أما عن مسألة المحاسبة، فهي تكاد تكون منعدمة داخليًا. فبن غفير ليس فقط محميًا بمنصبه، بل إن الحكومة التي ينتمي إليها تُعدّ الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، وتتواطأ معه في كثير من الحالات، بل وتعتبر ما يفعله جزءًا من “إدارة الوضع الراهن”. على الصعيد الدولي، توجد إدانات شكلية، لكن لا توجد آلية واضحة لمحاسبته قانونيًا، خاصة أن إسرائيل لا تخضع للمساءلة في هذا السياق نتيجة الحماية السياسية التي توفرها لها بعض القوى الدولية الكبرى.
لكن في المقابل، فإن هذه الاقتحامات تعمّق الشرخ، وتُبقي الأوضاع في حالة توتر دائم، وقد تُفجّر الأوضاع في أية لحظة، كما حدث في مرات سابقة، خصوصًا أن المسجد الأقصى خط أحمر لدى الفلسطينيين والمسلمين عامة، والاعتداء عليه يوحّدهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الجغرافية.
استمرار مثل هذه السياسات دون مساءلة يشكل خطرًا حقيقيًا على الاستقرار في المنطقة، ويؤكد أن الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة، بل يسعى لطمس المعالم وإعادة تعريف الهوية الدينية للمكان، وهو ما سيبقى سببًا رئيسيًا لتأجيج الصراع.