وسط ترقب عالمي حذر، أبدت الأسواق المالية ردود فعل أولية متزنة على خلفية المحادثات التجارية التي جمعت الولايات المتحدة والصين خلال عطلة نهاية الأسبوع، والتي اعتُبرت بداية محتملة لتحول في مسار الحرب التجارية الممتدة بين أكبر اقتصادين في العالم.
ورغم أن البيانين الصادرين عن الجانبين لم يتطرقا صراحة إلى مصير الرسوم الجمركية المتبادلة، إلا أن الإشارات السياسية حملت بوادر تهدئة وتأسيس لمسار حوار جديد، بدا كافياً لطمأنة المستثمرين مؤقتًا، ودفع المؤشرات المالية نحو تفاعل حذر.
اتفاق ضمني أم هدنة مؤقتة؟
في بيان مقتضب، لمح البيت الأبيض إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق من شأنه المساهمة في معالجة العجز التجاري الأميركي المزمن، الذي يشكّل أحد محاور النزاع الرئيسية مع الصين، دون الخوض في تفاصيل ملموسة.
من جانبها، أعلنت بكين عن إنشاء “آلية” للحوار الاقتصادي والتجاري بين البلدين، في خطوة تعكس استعداداً مؤسسياً للانخراط في مفاوضات أكثر انتظامًا. ورغم غياب إعلان رسمي بشأن تعليق أو تعديل الرسوم الجمركية، إلا أن مجرد الالتزام بالحوار وتفادي التصعيد اللفظي منح الأسواق نافذة تفاؤل جزئية.
ردود الأسواق: تفاؤل مشوب بالحذر
ومع بداية الأسبوع، رصدت مؤشرات الأسهم الأميركية والآسيوية موجات شراء محدودة، مدفوعة بتوقعات المستثمرين بأن المناخ التجاري بين البلدين قد يشهد مرحلة “تجميد نسبي” للتوترات، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي يواجهها الطرفان على خلفية التعريفات السابقة.
كما لوحظ استقرار نسبي في أسعار العملات، ولا سيما اليوان الصيني، الذي حافظ على موقعه دون تراجع حاد، ما يعكس تقديرات داخل الأسواق بأن بكين لن تُقدم على إجراءات انتقامية فورية، وربما تفضّل اختبار نوايا واشنطن عبر القنوات الجديدة المُعلن عنها.
خلفية الأزمة: حرب تعرفات باهظة الكلفة
تعود جذور التوترات التجارية إلى العام 2018، حين شرعت الإدارة الأميركية السابقة بفرض رسوم جمركية قاسية على مئات المليارات من الواردات الصينية، في محاولة لتقليص العجز التجاري الهائل الذي بلغ ذروته حينها. وردّت الصين بالمثل، ما تسبب في تعقيد سلاسل التوريد العالمية، وإثارة موجة من الاضطرابات الاقتصادية بين شركاء الدولتين.
ورغم التوصل إلى “المرحلة الأولى” من الاتفاق التجاري في يناير 2020، فإن كثيرًا من القضايا الهيكلية – من حقوق الملكية الفكرية إلى دعم الدولة للصناعات الصينية – ظلت دون حل، ليعود التوتر مجددًا في ظل الإدارة الأميركية الجديدة التي لم تُظهر حتى الآن مقاربة واضحة تجاه الرسوم السابقة.
ما القادم؟
يبقى الغموض سيد الموقف، فبينما تُعَدّ الآلية المُعلنة خطوة إيجابية نحو استئناف الحوار، إلا أن غياب جدول زمني واضح أو تفاصيل بشأن القضايا الجوهرية مثل الرسوم الجمركية والتكنولوجيا والملكية الفكرية، يحدّ من تفاؤل الأسواق على المدى الطويل.
كما أن تطورات الداخل الأميركي، وضغوط الحملات الانتخابية، قد تدفع إدارة ترامب إلى استخدام الورقة التجارية مع الصين كورقة مساومة سياسية، وهو ما يدفع المحللين إلى الحذر من الإفراط في الرهان على “انفراجة قريبة”.
بارقة أمل في ضباب كثيف
تشير المؤشرات الأولية إلى أن الأسواق تتعامل مع المحادثات الحالية باعتبارها خطوة في الاتجاه الصحيح، لا أكثر. فبين التصريحات الدبلوماسية الحذرة والواقع الاقتصادي المعقد، لا يزال مسار العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين محاطًا بتحديات كبيرة، تحتاج إلى أكثر من آلية حوار لتجاوزها.
ومع ذلك، فإن مجرد وقف التصعيد – ولو مؤقتًا – يُعد مكسبًا مرحليًا، في زمن تشتد فيه الحاجة إلى الاستقرار الاقتصادي العالمي.