في خطوة تُعد الأبرز على صعيد إعادة تحريك عجلة الاقتصاد السوري، أعلن وزير المالية، محمد يسر برنية، أن سوق دمشق للأوراق المالية سيُعاد افتتاحه يوم الاثنين الموافق 2 يونيو/حزيران، بعد توقف دام عدة أشهر، وسط آمال بأن يشكّل القرار بداية لتعافي تدريجي في قطاع الاستثمار المالي، رغم القيود والمخاوف المتواصلة من العقوبات الدولية.
عودة حذرة تحت رقابة مشددة
الوزير السوري أوضح، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، أن استئناف التداولات في البورصة السورية يأتي بعد الانتهاء من سلسلة مراجعات وإجراءات رقابية هدفها ضمان الامتثال الكامل لمعايير مكافحة غسل الأموال، والحيلولة دون استغلال السوق من قبل شبكات الجريمة المنظمة أو الأطراف المرتبطة بتمويل أنشطة غير مشروعة.
ولفت برنية إلى أن التداولات ستجري مبدئياً ثلاثة أيام في الأسبوع فقط، في خطوة تعكس حرص السلطات على إدارة عودة السوق بشكل تدريجي ومدروس، بما يسمح بتقييم الأداء والتحديات التشغيلية من جهة، وتفادي أي ارتدادات سلبية على بيئة السوق من جهة أخرى.
تنشيط الاقتصاد تحت وطأة العقوبات
تأتي إعادة افتتاح السوق في ظل استمرار العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على سوريا، والتي تطال قطاعات واسعة من الاقتصاد، بما فيها التعاملات المالية والنفطية. وبرغم هذه القيود، تعوّل الحكومة السورية على بورصة دمشق كممر لتنشيط الاقتصاد الوطني، عبر جذب الاستثمارات الداخلية وإعادة إحياء ثقافة التداول والاستثمار المؤسسي.
وقال الوزير إن السوق ستكون إحدى أدوات دعم النشاط الاقتصادي المحلي، عبر تحريك الأموال المجمدة، وتوفير بيئة لتداول الأوراق المالية بما يخدم القطاعات الإنتاجية. وأكد أن الدولة تسعى إلى الاستفادة من الإمكانات الكامنة في قطاع المال، رغم القيود والتحديات المفروضة من الخارج.
خطة تطوير طموحة
إلى جانب إعادة الافتتاح، أعلن برنية عن بدء التحضير لما وصفه بـ”تطوير شامل” لقطاع الأوراق المالية في البلاد، يشمل تحديث منظومة التداول، وإدخال تقنيات المقاصة والتسوية الإلكترونية، وتحسين الخدمات الرقمية، بما يتماشى مع المعايير الدولية، ويُسهّل على المستثمرين الأفراد والمؤسسات الدخول إلى السوق بأقل قدر من المخاطر.
وأضاف أن الحكومة تعكف أيضاً على تصميم أدوات استثمارية جديدة، وتحفيز العرض والطلب على الأوراق المالية، مع التركيز على رفع مستوى التوعية المالية لدى الجمهور. وتُعد هذه الخطوات جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى استعادة الثقة في النظام المالي السوري بعد سنوات من التدهور والجمود.
تحديات العودة في بيئة محفوفة بالمخاطر
ورغم النوايا المعلنة، تبقى عودة بورصة دمشق محاطة بجملة من التحديات، أبرزها استمرار العقوبات الدولية، وتدني مستويات السيولة، إضافة إلى ضعف الثقة الشعبية في المؤسسات المالية، نتيجة التذبذب الاقتصادي والانهيارات المتكررة في سعر الصرف خلال السنوات الماضية.
كما أن حجم السوق لا يزال محدوداً، وعدد الشركات المدرجة ضئيل نسبياً، ما يقلل من جاذبيته كمصدر حيوي للاستثمار، في وقت تبحث فيه الحكومة عن أي قنوات ممكنة لتحريك الاقتصاد المحلي في مواجهة الضغوط الاجتماعية والمعيشية المتزايدة.
خطوة رمزية أم بداية إصلاح مالي؟
يرى مراقبون أن قرار إعادة افتتاح السوق يمثل خطوة رمزية ذات طابع سياسي واقتصادي في آن، تهدف إلى إظهار قدرة الدولة على استعادة مظاهر الاستقرار المالي. لكن نجاح هذه الخطوة سيبقى مرهوناً بتوسيع قاعدة المستثمرين، وخلق مناخ جاذب وشفاف، وتخفيف القيود القانونية التي تعرقل التداول، ناهيك عن الحاجة الملحة لرفع أو تخفيف العقوبات الغربية، وهو ما لا يبدو مطروحاً في المدى القريب.
ومع ذلك، فإن إعادة الحياة إلى سوق دمشق للأوراق المالية قد تمثل بداية جديدة لمسار طويل وشاق من إعادة البناء الاقتصادي، ما دامت الخطوات اللاحقة قادرة على تجاوز التحديات وتحقيق نمو حقيقي في قطاع الاستثمار السوري.