تشهد الضفة الغربية سلسلة من الأزمات المتلاحقة، تتفاقم تباعًا بفعل السياسة الإسرائيلية الممنهجة في التضييق على الحياة اليومية للفلسطينيين، وتُظهر التطورات الأخيرة – لا سيما في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي الإيراني – هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وبروز مظاهر القلق الشعبي، كما يتجلى بوضوح في أزمة الوقود المتصاعدة.
فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، شهدت محطات الوقود في مختلف محافظات الضفة الغربية حالة من الازدحام والتدافع، مع تهافت المواطنين على شراء وتخزين كميات كبيرة من الوقود، تحسبًا لأي انقطاعات قد تطرأ في حال تطور النزاع الإقليمي إلى مواجهات أوسع. هذه الظاهرة تعكس في جوهرها شعورًا عامًا بانعدام الأمان وانعدام الثقة في انتظام الإمدادات الحيوية.
سيناريوهات الطوارئ
في المقابل، تحاول الجهات الرسمية الفلسطينية احتواء هذا الذعر الجماهيري، حيث أكد الدكتور محمد أبو الرب، مدير مركز الاتصال الحكومي، أن إمدادات الوقود لا تزال مستمرة، مطمئنًا المواطنين إلى أن هناك مخزونًا كافيًا للقطاعات الحيوية كالمستشفيات والأجهزة الأمنية والمخابز. ومع ذلك، لم يغفل أبو الرب التحذير من احتمال تراجع الكميات الواردة نتيجة تطورات الحرب، في إشارة ضمنية إلى محدودية الخيارات الفلسطينية في التعامل مع سيناريوهات الطوارئ التي تتجاوز قدراتها الذاتية، أمام أي تغير إقليمي.
تاريخيًا، لم يكن ملف الوقود والموارد الحيوية في الضفة الغربية محكومًا فقط بالقوانين الاقتصادية، بل كان دومًا أداة ضغط سياسي وأمني بيد الاحتلال. ومنذ أكتوبر 2023، قلّصت إسرائيل كميات الوقود التي تسمح بإدخالها إلى الأراضي الفلسطينية، دون إعلان رسمي، وهو ما لم يشعر به المواطن فورًا بسبب القيود المفروضة على الحركة بين المحافظات من جهة، وخطة التقنين الحكومية من جهة أخرى، والتي خففت من وتيرة الاستهلاك، خصوصًا مع تقييد تنقل الموظفين.
تدهور الوضع الاقتصادي
وفي ظل هذه البيئة المتأزمة، تتصاعد تحذيرات الجهات الحكومية من الممارسات العشوائية التي قد تُفاقم الوضع، ومنها تخزين الوقود في عبوات بلاستيكية، ما يعكس غياب البنية التحتية الكافية لاستيعاب حالات الطوارئ، ويكشف عن مدى ضعف أدوات السلامة والوقاية لدى الأفراد، كنتيجة مباشرة لتدهور الوضع الاقتصادي وغياب الحد الأدنى من التخطيط المدني طويل المدى.
أما على مستوى التنقل والمعابر، فإن أزمة معبر الكرامة تشكّل نموذجًا صارخًا آخر لتبعية الفلسطينيين للمزاج الأمني والسياسي الإسرائيلي، حيث تسيطر سلطات الاحتلال على حركة الحافلات وتتحكم في عددها، ما يتسبب بأزمات خانقة، خاصة في مواسم الحج. وعلى الرغم من الجهود الفلسطينية والأردنية والدولية لتسهيل الحركة، فإن الواقع على الأرض يبقى رهينةً للإجراءات الإسرائيلية.
أزمات يومية متلاحقة
تضاف إلى كل هذه المعاناة أزمة الثقة بالمعلومة، في ظل الانتشار السريع للشائعات وغياب وسائل إعلامية موثوقة لدى فئات من المجتمع. ولهذا، كانت دعوة الدكتور أبو الرب واضحة بضرورة تحرّي الدقة واللجوء إلى المصادر الرسمية، مع التحذير من السلوكيات الخطرة كالصعود إلى أسطح المنازل لمراقبة المقذوفات، وهو مشهد يعبّر عن حالة من التوتر المجتمعي وربما أيضاً استبطان الفلسطينيين لفكرة أن الحرب قد تطرق أبوابهم في أي لحظة.
تُبرز هذه الأحداث واقعًا مركبًا يعيشه الفلسطينيون في الضفة الغربية، حيث يتداخل القلق الإقليمي مع التضييق المحلي، ليخلق سلسلة من الأزمات اليومية المتلاحقة، تضع المجتمع الفلسطيني أمام معركة بقاء متواصلة، في ظل غياب سيادة حقيقية، واستمرار الاحتلال في استخدام الأدوات الاقتصادية والمعيشية كوسائل للسيطرة والإخضاع.