في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل تنفيذ سياسة الاغتيالات الممنهجة بحق قادة «حماس»، مستخدمةً التهديد العلني كأداة ضغط وترويع، يبدو أن رد الحركة لا يتعدّى البيانات الخطابية والتنديدات الإعلامية، دون اتخاذ مواقف أو خطوات سياسية واضحة أو استراتيجية مغايرة تتناسب مع حجم التهديدات الموجهة إليها. هذا الصمت، أو بالأحرى الجمود السياسي، يفتح الباب لتساؤلات جوهرية حول خيارات الحركة، وجدوى استمرارها في احتكار القرار داخل غزة، رغم الخسائر الكارثية التي تكبّدها القطاع منذ بدء الحرب.
استمرار السيطرة على قطاع غزة
تهديدات إسرائيل باغتيال أسماء بارزة مثل عز الدين الحداد، وخليل الحية، وأسامة حمدان، وسامي أبو زهري، لم تأتِ من صحفيين أو تسريبات غير رسمية، بل من الجيش الإسرائيلي نفسه ومن أعلى مستويات الحكومة، بما فيها وزير الدفاع كاتس الذي أطلق عبارته الشهيرة: “أنتما المقبلان في الدور”. ورغم وضوح هذه التهديدات، تواصل حماس الرد بأسلوب روتيني لا يتجاوز إصدار بيان عبر “كتائب القسام” أو تصريحات إعلامية عامة لا تتضمّن أي تحذير سياسي أو تحرّك استباقي.
المفارقة الأكثر وضوحاً هي أن الحركة، التي طالما اعتُبرت في نظر مؤيديها رمزاً للمقاومة والردع، باتت تتلقى الضربات تلو الأخرى دون أن تغيّر من نهجها أو حتى تفسّر للناس سبب استمرارها في التمسك بالحكم، بينما تُدمّر غزة يوماً بعد يوم، ويُقتل قادتها واحداً تلو الآخر، وتُركّز إسرائيل جهودها على رأسها التنظيمي والسياسي والعسكري في الداخل والخارج. فهل يكفي الردّ الإعلامي لحماية هذه القيادات؟ وهل يكفي استمرار السيطرة على قطاع غزة ليبرّر هذا الثمن الباهظ من أرواح المدنيين ومستقبل الجيل القادم؟
تهديد علني باغتيال قادة حماس
الصمت أمام تهديد اغتيال خليل الحية، مثلاً، يطرح معضلة إضافية تتعلق بعلاقة «حماس» مع الوسطاء الدوليين، خاصة قطر التي يقيم فيها الحية ويُعتبر أحد أبرز قادتها السياسيين. التهديد العلني باغتياله يُعد تعدّياً صريحاً على سيادة دولة تتوسط لوقف إطلاق النار، ورغم ذلك، لم نشهد من الحركة أي تصعيد سياسي أو ضغط دبلوماسي واضح كردّ على هذا التطور. وكأن التهديد باغتيال قيادات في عواصم إقليمية لم يعد أمراً يُستفزّ له أحد، لا من الحركة ولا من حلفائها.
لكن الأخطر من ذلك هو الإصرار العجيب على احتكار الحكم في غزة، ورفض كل المبادرات التي دعت إلى تسليم القطاع لحكومة توافق فلسطيني أو للسلطة الفلسطينية، بحجج تتراوح بين “الخيانة” و”الفشل”. فهل فعلاً باتت مصلحة التنظيم والحفاظ على السيطرة الداخلية مقدّمة على مصلحة أكثر من مليونَي فلسطيني يعيشون اليوم في منطقة مدمّرة، بلا مستقبل، بلا أفق؟ إذا كانت حماس تعي حجم الدمار الذي حلّ بغزة، لماذا تُبقي الأمور على حالها؟ ولماذا لا تعترف بأن مشروعها في إدارة القطاع بات عبئاً ثقيلاً على أهله؟
إلى متى تدفع غزة الثمن وحدها؟
الجواب الأقرب للواقع قد يكمن في عقلية “التحكم مقابل البقاء”، حيث لا يبدو أن «حماس» مستعدة للتراجع عن الحكم حتى لو جاء الثمن مزيداً من الدم والدمار. والخطير في هذا الخيار أنه يترك الناس أسرى لمعادلة أمنية وسياسية لا تُبنى على نتائج ولا على قراءة عقلانية لتوازن القوى. ففي الوقت الذي يُجري فيه الجيش الإسرائيلي تصفيات منظمة لقادة الحركة، ما زالت قيادتها تتمسّك بخيارات ثابتة وكأن شيئاً لم يتغيّر.
إن مواجهة هذه التهديدات لا تكون بالبيانات، بل بإجابات حقيقية أمام الشعب الفلسطيني، وبمراجعة شجاعة للمسار، وبقرارات تضع الناس أولاً، لا التنظيم ولا القيادة. وحتى يحدث ذلك، سيبقى السؤال مفتوحاً: إلى متى تدفع غزة الثمن وحدها، بينما قرارات المواجهة تُتخذ من الدوحة وبيروت والجزائر؟