تشير استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل إلى اتساع رقعة السخط الشعبي تجاه الحكومة الحالية، وزيادة المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في ظل أزمة سياسية مركبة، وأوضاع أمنية غير مستقرة. استطلاعان نُشرا مساء الأربعاء، أحدهما للقناة 12 والآخر للقناة 13، كشفا عن ميل غالبية الإسرائيليين نحو حلّ الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة، مع رفض متزايد لمشاركة الأحزاب الحريدية في الائتلاف القادم.
في استطلاع القناة 12، قال 57% من الإسرائيليين إنهم يؤيدون التوجه إلى صناديق الاقتراع من جديد، مقابل 33% فقط عبّروا عن معارضتهم. أما استطلاع القناة 13، فقد أظهر نسبة تأييد تبلغ 51%، مقابل 39% يعارضون هذه الخطوة. ويعكس هذا التقارب بين الاستطلاعين توجّهًا عامًا نحو إنهاء المرحلة الحالية من حكم بنيامين نتنياهو، بعد تآكل شعبيته وتصاعد الغضب الشعبي نتيجة إخفاقات أمنية وسياسية متراكمة، لا سيما ما حدث في 7 أكتوبر 2023.
مستقبل نتنياهو في مهبّ الريح
رغم تراجع مكانته العامة، لا يزال بنيامين نتنياهو يحتفظ بولاء جزئي داخل قواعد حزبه “الليكود”. إذ كشف استطلاع القناة 12 أن 65% من ناخبي الائتلاف الحالي يرغبون في أن يواصل نتنياهو قيادة الحزب، مقابل 23% يفضلون تغييره. إلا أن هذا الدعم، وإن بدا كافيًا داخليًا، لا يُخفي حقيقة أن حزب الليكود بات يفقد زمام المبادرة في الساحة السياسية الأوسع.
الخريطة البرلمانية المتوقعة تُبرز تراجع الليكود لصالح قوى جديدة، وعلى رأسها حزب مفترض برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، والذي يتصدّر نوايا التصويت بـ24 مقعدًا وفق استطلاع القناة 12، وبـ27 مقعدًا وفق استطلاع القناة 13. ويؤكد هذا التقدّم أن الرغبة في التغيير لم تعد محصورة في الأطراف المعارضة الكلاسيكية، بل تشمل قوى يمينية جديدة تسعى لاستعادة التوازن بين الأمن والديمقراطية، بعيدًا عن خطاب نتنياهو الشعبوي.
الحريديم… شركاء غير مرغوب فيهم
إحدى الرسائل البارزة في الاستطلاعين تتمثل في الرفض الشعبي المتزايد لمشاركة الأحزاب الحريدية في أي ائتلاف حكومي قادم. فقد أظهر استطلاع القناة 12 أن 55% من الإسرائيليين لا يريدون تلك المشاركة، مقابل 33% فقط أيّدوها. وكرّر استطلاع القناة 13 النتيجة تقريبًا، حيث بلغت نسبة الرافضين 51%، مقابل 31% مؤيدين، و18% غير حاسمين.
ويأتي هذا الموقف في سياق اشتداد الجدل حول قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وهو ما تسبب في توترات متزايدة داخل ائتلاف نتنياهو، وسط تهديدات من “يهدوت هتوراه” و”شاس” بدعم قانون لحل الكنيست في حال لم يتم التوصل إلى تسوية ترضيهم. هذه الأزمة توحي بأن نتنياهو محاصر بين ضغط الشارع الرافض للتحالف مع الحريديم، وضغوط الأحزاب الدينية التي تُعدّ ركائز بقائه السياسي.
غزة وإيران والقضاء: خارطة أولويات متقلبة
استطلاعات الرأي لا تعكس فقط ميول التصويت، بل تكشف أيضًا عن التحولات في الأولويات السياسية والشعبية داخل إسرائيل. عندما سُئل المستطلعة آراؤهم عن الموضوع الأهم في الانتخابات المقبلة، اعتبر 43% أن “إخفاق 7 أكتوبر” هو الملف الأبرز، بينما رأى 20% أن أزمة جهاز القضاء هي الأولوية، و17% أشاروا إلى قانون التجنيد، مقابل 9% للملف الإيراني. هذه النتائج تعكس تحوّلًا جوهريًا في مزاج الناخب الإسرائيلي، الذي بات يحمّل حكومته مسؤولية التقصير الأمني، ويتطلّع إلى تغيير حقيقي في أسلوب القيادة والإدارة.
أما بشأن الحرب على غزة، فإن 48% من المستطلعين في استطلاع القناة 13 قالوا إنهم يفضلون إنهاءها، مقابل 39% يعتقدون بضرورة مواصلة القتال. النسبة المتبقية (13%) لم تحسم موقفها، ما يؤشر إلى وجود انقسام مجتمعي حول جدوى الاستمرار في العمليات العسكرية، في ظل تصاعد الانتقادات الدولية، وتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وعلى صعيد التهديد الإيراني، لا تزال هناك كتلة صلبة تؤيد شنّ هجوم إسرائيلي مباشر على طهران (41%)، بينما يفضّل 35% انتظار التوصل إلى اتفاق نووي جديد، و24% لم يحددوا موقفهم. هذا الانقسام يؤكد غياب رؤية موحّدة في التعامل مع أخطر الملفات الأمنية لإسرائيل.
معادلة سياسية جديدة تتشكل
الخريطة البرلمانية التي كشفت عنها القناتان تحمل في طياتها دلالات استراتيجية عميقة. ففي استطلاع القناة 12، يحصل الائتلاف الحالي بقيادة نتنياهو على 48 مقعدًا فقط، مقابل 72 مقعدًا لأحزاب المعارضة أو القوى الجديدة. أما استطلاع القناة 13 فيعطي تقريبًا النتيجة نفسها، مع اختلافات طفيفة في ترتيب الأحزاب. أبرز المفاجآت هي صعود حزب بينيت الافتراضي، الذي يتفوق على الليكود ويكاد يُحدث انقلابًا سياسيًا داخل اليمين الإسرائيلي ذاته.
التراجع اللافت لحزب “ييش عتيد” بزعامة يائير لبيد إلى ما دون العشرة مقاعد، وكذلك انخفاض تمثيل “المعسكر الوطني” بقيادة بيني غانتس، يعكس ربما حاجة الناخب الإسرائيلي إلى وجوه جديدة، أو بالأحرى إلى يمين مختلف؛ يمين لا يتغذى من الانقسامات، ولا يتبنى الخطاب الديني أو الشعبوي المتشدد.