في ضوء ما يشهده قطاع غزة من تصعيد عسكري متواصل واستهداف ممنهج للمدنيين، تتخذ القيادة الفلسطينية، ممثلة برئيس المجلس الوطني روحي فتوح، خطوات سياسية وإعلامية متقدمة في محاولة لحشد الدعم الدولي وتسليط الضوء على ما تعتبره جرائم حرب تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني. التصريحات الأخيرة التي أطلقها فتوح تعكس تحركاً دبلوماسياً يهدف إلى كسر الصمت الدولي، وإعادة الاعتبار إلى المطالبة بالحماية الدولية للسكان المحاصرين في القطاع، وسط ما وصفه بسياسة “الإبادة الممنهجة” التي ترتكبها قوات الاحتلال.
قلب الطاولة على السردية الإسرائيلية
تحذير فتوح من أن نقاط توزيع المساعدات – التي يفترض أن تكون ملاذاً للغذاء والإغاثة – تحولت إلى “مصائد موت جماعي”، لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى وقائع ميدانية متكررة، آخرها المجزرة التي شهدها محور نتساريم، حيث قُتل وأُصيب العشرات من المدنيين خلال انتظارهم شحنة مساعدات. هذا النمط من الجرائم – كما يسميه فتوح – يعيد تشكيل المفاهيم التقليدية للنزاع، إذ لم يعد القتل مقتصراً على ساحات المواجهة أو عبر العمليات العسكرية المباشرة، بل بات يستهدف السكان في لحظات بحثهم عن الغذاء، وهو ما يراه المجلس الوطني تكتيكاً متعمداً من قبل الاحتلال.
من خلال هذه التصريحات، يسعى المجلس الوطني إلى قلب الطاولة على السردية الإسرائيلية التي تروج لمساعي إنسانية عبر الممرات الآمنة ونقاط الإنزال الجوي، ليبيّن أن تلك الإجراءات تخدم غطاءً لمخططات عسكرية لا تمت للإغاثة بصلة. الخطاب الذي اعتمده فتوح جاء محمّلاً بلغة حقوقية دقيقة، أبرزها الإشارة إلى انتهاك اتفاقيات جنيف، وهو ما يُعد تحركاً مقصوداً لتدويل القضية، ونقلها من مربع الإدانة السياسية إلى أروقة التحقيق والمحاسبة الجنائية الدولية.
إعادة مسؤولية توزيع المساعدات إلى الأمم المتحدة
التحرك الأبرز الذي يدفع نحوه المجلس الوطني في هذه المرحلة هو المطالبة بتدخل مباشر من الأمم المتحدة، وتحقيق مستقل من المحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن آليات الردع السياسي التقليدية باتت عاجزة أمام الغطاء الأميركي والدولي الممنوح لإسرائيل. المطالبة بإعادة مسؤولية توزيع المساعدات إلى الأمم المتحدة والمنظمات الأممية يعكس أيضاً شكوكاً متنامية في الحياد والنزاهة اللتين يُفترض أن تحكم أي عمليات إنسانية، خاصة عندما تكون مرفقة بوجود عسكري مسلح كما هو الحال في الإنزالات الجوية أو نقاط توزيع الغذاء التي تشرف عليها قوات الاحتلال.
هذا النوع من الخطاب والتحرك السياسي يعكس محاولة فلسطينية لاستعادة زمام المبادرة في الفضاء الدولي، بعد شهور من العدوان الذي لم تواكبه ضغوط كافية من المجتمع الدولي. المجلس الوطني، من موقعه البرلماني التمثيلي، يُقدّم نفسه كصوت أخلاقي ورسمي يسعى لتوثيق الجرائم، وجرّ الاحتلال إلى ساحة المساءلة.
محاسبة الاحتلال
كما أن تحميل المسؤولية لا يقتصر على إسرائيل، بل يمتد إلى الجهات الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي يتهمها فتوح بتوفير الغطاء السياسي والعسكري لاستمرار العدوان، مما يُحوّلها – بحسب وصفه – إلى طرف مشارك في المعاناة لا مجرد متواطئ بالصمت.
التحركات الفلسطينية عبر المجلس الوطني قد لا تكون قادرة بمفردها على وقف آلة الحرب، لكنها تسعى إلى نقل المعركة إلى ميادين سياسية وقانونية دولية، بهدف كسر جدار العزل المفروض على غزة وتوفير الحماية الدولية ولو عبر ضغط الرأي العام والمنظمات الحقوقية. في ظل الانسداد السياسي الكامل، فإن هذا النوع من التصعيد في الخطاب الحقوقي قد يشكّل وسيلة للضغط الأخلاقي والسياسي على القوى الكبرى، ودعوة متجددة لمحاسبة الاحتلال على جرائم لا تسقط بالتقادم.