تشير تصريحات وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية إلى تبلور استراتيجية دبلوماسية نشطة تسعى لتحويل الاعتداءات المتصاعدة من قبل المستوطنين الإسرائيليين إلى قضية دولية، يتم التعامل معها وفق أطر القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. هذا التحرك يعكس تحولًا في وظيفة الدبلوماسية الفلسطينية من أداة تقليدية للتمثيل السياسي إلى منصة نضالية تهدف إلى فضح وتوثيق الجرائم، وتأطيرها ضمن مفاهيم القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وصولًا إلى فرض إجراءات ملموسة على دولة الاحتلال.
تفكيك منظمات المستوطنين الإرهابية
واحدة من أبرز دلالات هذا المسار هو التركيز على القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن، والذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، غير قانونية. الإشارة المتكررة إلى هذا القرار في الخطاب الدبلوماسي الفلسطيني توحي بإصرار على تثبيت مرجعية قانونية دولية تقوّي موقف فلسطين أمام المجتمع الدولي، وتكشف التناقض بين قرارات الأمم المتحدة والممارسات الإسرائيلية، التي تتجاوز القانون الدولي دون محاسبة.
التحرك الدبلوماسي الفلسطيني لا يكتفي بالمناشدة الأخلاقية، بل يتجه نحو المطالبة باتخاذ إجراءات عملية ضد إسرائيل، مثل تفكيك منظمات المستوطنين الإرهابية وفرض عقوبات دولية على منظومتهم الاستيطانية. وهذا يعكس إدراكًا فلسطينيًا بأن المسار القضائي أو القانوني وحده غير كافٍ، ما لم يترافق مع ضغط سياسي واقتصادي دولي يُرغم إسرائيل على التراجع أو التخفيف من حدة اعتداءات المستوطنين.
حصار إسرائيل سياسيًا
كما أن الاتهام الواضح لجيش الاحتلال بأنه شريك مباشر في هذه الاعتداءات عبر “تقاسم أدوار” مع المستوطنين، ينقل النقاش من إطار «التطرف الفردي» إلى «منظومة احتلالية ممنهجة». هذا التوصيف مهم جدًا لأنه يلغي الفاصل بين المستوطنين والمؤسسة العسكرية الرسمية، وبالتالي يُحمّل دولة الاحتلال ككل، وليس فقط فاعلين غير رسميين، المسؤولية عن الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين.
دبلوماسيًا، تسعى الخارجية الفلسطينية إلى خلق حالة من “الحصار السياسي” على إسرائيل، سواء من خلال تعبئة الرأي العام العالمي، أو دفع الدول نحو اتخاذ مواقف أكثر صرامة كالمقاطعة أو حظر التعامل مع منتجات المستوطنات، بل وربما التوجه نحو المحكمة الجنائية الدولية. هذا التوجه لا يهدف فقط إلى حماية المدنيين الفلسطينيين، بل يسعى لتغيير قواعد اللعبة التي تسمح للاحتلال بالاستمرار دون تكلفة سياسية أو قانونية.
نظام استعماري عدواني
وفي السياق ذاته، تشكل الإشارة إلى الحواجز العسكرية والبوابات الحديدية التي شلت الحياة اليومية للفلسطينيين جزءًا من السردية الدبلوماسية التي تسعى إلى تصوير الانتهاكات الإسرائيلية كجرائم “يومية” ممنهجة تهدف إلى إخضاع المجتمع الفلسطيني وتفكيك نسيجه الاقتصادي والاجتماعي. هذا يُضفي بعدًا إنسانيًا على الخطاب السياسي، ويزيد من قدرته على التأثير في المنصات الأممية والرأي العام العالمي.
في المحصلة، فإن الدبلوماسية الفلسطينية تسير باتجاه تأطير جرائم المستوطنين ضمن “نظام استعماري عدواني”، والدفع بالمجتمع الدولي من مربع الإدانة الكلامية إلى ساحة الفعل والردع القانوني والاقتصادي، وهو ما يمثل تصعيدًا محسوبًا في المواجهة السياسية مع الاحتلال، وإعادة تموضع للسلطة الفلسطينية على الخارطة الدولية كفاعل يحشد الشرعية والقانون الدولي في معركة الدفاع عن وجود شعبه.