تشهد أوكرانيا تراجعًا ملحوظًا في فرصها العسكرية على الأرض، في ظل تغير واضح في نهج الولايات المتحدة بعد وصول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السلطة. وعلى عكس إدارة الرئيس جو بايدن، التي خصصت مساعدات عسكرية ضخمة لكييف، فإن الإدارة الحالية أشارت مرارًا إلى أنها لا تعتزم تقديم دعم مماثل من حيث الحجم أو النوعية.
هذا التغير في السياسة الأميركية يُعد عاملًا مؤثرًا في موازين الحرب، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الأمن والسيادة الأوكرانية، خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية في شرق البلاد وجنوبها.
تشاؤم أوروبي مقابل مؤشرات على صمود أوكراني
أثارت هذه المستجدات قلقًا واسعًا في الأوساط الأوروبية، حيث عبّر عدد من المراقبين عن تشاؤمهم بشأن قدرة أوكرانيا على الصمود دون الدعم الأميركي الكثيف. غير أن هذا التشاؤم لا يعكس بالضرورة الواقع الميداني بشكل دقيق.
فبحسب تقارير متعددة، تواصل أوكرانيا تطوير قدرات عسكرية محلية، بما يشمل تصنيع أسلحة متقدمة يتم استخدامها في خطوط القتال الأمامية، كما أثبتت القوات الأوكرانية قدرة على تنفيذ عمليات هجومية نوعية في عمق الأراضي الروسية.
ضربات نوعية وتكتيكات جديدة في البحر الأسود وعمق روسيا
تمكنت القوات الأوكرانية من إحداث خرق استراتيجي في البحر الأسود، ما شكّل نقطة تحول مهمة في مسرح العمليات البحرية. كما نفذت مؤخرًا هجومًا واسع النطاق ضمن ما يُعرف بعملية “شبكة العنكبوت”، استهدفت فيه 41 طائرة روسية عبر ضربات جوية مسيّرة داخل الأراضي الروسية، ويُرجح أن ما لا يقل عن 10 طائرات قد تم تدميرها خلال هذه الضربات.
تُظهر هذه الهجمات مدى تطور قدرات أوكرانيا في مجال الطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى مرونة تكتيكية في تجاوز القيود اللوجستية والميدانية الناجمة عن تراجع الدعم الخارجي.
الخيارات المتبقية: استراتيجيات بديلة رغم محدودية الموارد
على الرغم من محدودية الدعم الأميركي، تشير التقديرات إلى أن كييف لا تزال تمتلك مسارات استراتيجية يمكن من خلالها مواصلة القتال وتعزيز موقعها التفاوضي أو الميداني. ويرتبط ذلك جزئيًا بقدرتها على استخدام التكنولوجيا العسكرية بفعالية، وتطوير شراكات بديلة مع حلفاء أوروبيين.
وفي هذا السياق، يبقى تصميم أوكرانيا على مواصلة القتال عنصرًا حاسمًا، مع إمكانية تعويض بعض النقص في الإمدادات الغربية عبر تطوير قدرات محلية وتعزيز التنسيق مع دول أوروبية تسعى إلى منع انزلاق الوضع الأمني في القارة.
واقع معقد وفرص مفتوحة
رغم التحولات في الموقف الأميركي، فإن خسارة الدعم العسكري لا تعني بالضرورة نهاية الحملة الأوكرانية. إذ تملك كييف، حتى اللحظة، إمكانيات ميدانية وتقنية تسمح لها بمواصلة المواجهة. ومع أن الطريق إلى تسوية شاملة لا يزال معقدًا، فإن ما يجري يشير إلى أن الصراع لم يُحسم بعد، وأن موازين القوى قابلة للتغير بناءً على ديناميكيات ميدانية واستراتيجية متداخلة.