وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انتقادات حادة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، متّهماً إياه بـ”اللعب بالنار”، في وقت تشهد فيه أوكرانيا إحدى أعنف موجات الهجمات الجوية منذ بدء الغزو الروسي الشامل عام 2022. ورغم مواقفه السابقة التي غالباً ما وُصفت بأنها متساهلة أو حتى متعاطفة مع بوتين، فقد بدا ترامب أكثر حدة هذه المرة، مُلوّحاً بعقوبات قاسية، ومُحذّراً من تداعيات خطيرة على روسيا.
هجوم لاذع وسط تصعيد عسكري
في منشور نُشر اليوم الثلاثاء على منصة “تروث سوشيال”، قال ترامب: “ما لا يدركه فلاديمير بوتين هو أنه لولا وجودي، لكانت حدثت بالفعل أمور سيئة جدا لروسيا، وأنا أقصد ذلك تماما. إنه يلعب بالنار!”. التصريح الغامض، الذي لم يوضّح طبيعته أو أبعاده، أتى بعد أيام فقط من تصاعد الهجمات الروسية على المدن الأوكرانية باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ، في تصعيد أعاد إلى الأذهان بدايات الحرب الكاملة قبل أكثر من عامين.
وكان ترامب قد أعرب يوم الأحد عن “استيائه” من بوتين بسبب تلك الهجمات، مُعتبراً أنها تنسف فرص الوصول إلى اتفاق هدنة، ومُشيراً إلى أن التمادي في العدوان قد يقود إلى نتائج وخيمة. وفي تصريح لصحافيين في اليوم نفسه، قال إنه “يفكر بالتأكيد” في فرض مزيد من العقوبات على موسكو إذا عاد إلى السلطة، في نبرة تُظهر لأول مرة تشدداً واضحاً تجاه القيادة الروسية.
تناقض في المواقف أم مراجعة استراتيجية؟
تصريحات ترامب الأخيرة تمثل تغيراً ملحوظاً في موقفه التقليدي من روسيا. فرغم أنه لم يخفِ إعجابه ببوتين خلال فترة رئاسته، إلا أن لهجته تغيّرت بشكل تدريجي في الأسابيع الماضية، مع انسداد آفاق الحل السياسي في أوكرانيا، وتصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية لدوره المتذبذب في الملف الروسي.
ويقول مراقبون إن ترامب يحاول إعادة تموضعه السياسي استعداداً للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، عبر تبنّي خطاب أكثر تشدداً في القضايا الخارجية، ولا سيما في ما يخص روسيا. غير أن نبرة التهديد في تصريحاته تفتقر حتى الآن إلى خطة واضحة، ما يجعلها أقرب إلى التصعيد الإعلامي منها إلى السياسة الممنهجة.
دعوات في الكونغرس لعقوبات “مُدمرة”
تزامناً مع تصريحات ترامب، شهد الكونغرس الأميركي نشاطاً لافتاً في ملف العقوبات، حيث دعا عضوان بارزان من مجلس الشيوخ – الديمقراطي ريتشارد بلومنثال والجمهوري ليندسي غراهام – إلى فرض ما وصفاه بـ”عقوبات ثانوية” شديدة، لا تقتصر على موسكو وحدها، بل تمتد إلى الدول التي تتعامل تجارياً معها، وخاصة في قطاعي الطاقة والمواد الخام.
واقترح غراهام وبلومنثال فرض ضريبة بنسبة 500% على الواردات من الدول التي تُجري مبادلات تجارية مع روسيا، بهدف “خنق” الاقتصاد الروسي وحرمانه من عائداته الرئيسية.
أما السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي، فقد ذهب أبعد من ذلك، مغرّداً على منصة “إكس” (تويتر سابقاً): “لقد حان الوقت لفرض عقوبات شديدة تجعل بوتين يدرك أن اللعبة قد انتهت”.
موسكو ترد: التحذير من حرب عالمية ثالثة
في المقابل، لم تتأخر موسكو في الرد على تصريحات ترامب. فقد علّق نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، على تحذيرات ترامب بتصريح حمل نبرة لا تخلو من السخرية والتهديد في آن. وكتب ميدفيديف على منصة “إكس” بالإنجليزية: “لا أعرف إلا شيئاً واحداً سيئاً جداً… الحرب العالمية الثالثة. آمل أن يفهم ترامب هذا!”.
وكان ميدفيديف قد كثف في الأشهر الماضية من خطاباته التحذيرية الموجهة إلى الغرب، معتبراً أن التورط الأميركي المتزايد في دعم كييف قد يؤدي إلى مواجهة كبرى. وردّه الأخير يعكس تخوفاً روسياً من أن تشهد العلاقات مع واشنطن تدهوراً متسارعاً إذا تبنّى البيت الأبيض مستقبلاً استراتيجية أكثر تشدداً إزاء موسكو.
لعبة الأعصاب مستمرة
ما بين تصريحات ترامب “الملغومة”، وردود موسكو “المحمّلة بالتحذير”، تبدو الأزمة الأوكرانية مقبلة على فصل جديد من التصعيد السياسي والدبلوماسي، يوازي في سخونته التصعيد العسكري على الأرض. ومع استمرار الغارات الروسية على البنية التحتية في أوكرانيا، والجمود في مسار التفاوض، يزداد القلق من أن يتحول التراشق اللفظي إلى خطوات عملية تُدخل العالم في مرحلة أكثر خطورة.
وإذا ما مضى ترامب في تبني خطاب العقوبات القصوى، فقد يجد نفسه قريباً على تماس مباشر مع مراكز النفوذ في موسكو، ما ينذر بتعقيد المشهد الدولي أكثر، في لحظة سياسية حساسة تطغى عليها الحسابات الانتخابية في أميركا، والمخاوف الوجودية في روسيا، ومآسي المدنيين في أوكرانيا.