بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز قدراته الدفاعية وتقليل اعتماده على الولايات المتحدة، يبرز موقع تركيا كقضية محورية في النقاشات الدائرة في بروكسل حول مستقبل الأمن الأوروبي. فتركيا، الحليف الاستراتيجي في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، تمتلك قدرات عسكرية وصناعات دفاعية متنامية تجعلها لاعباً مؤثراً، إلا أن التعقيدات السياسية تعيق اندماجها الكامل في المنظومة الدفاعية الأوروبية الجديدة.
كشف “الكتاب الأبيض للدفاع – جاهزية 2030” الصادر عن المفوضية الأوروبية عن خطط طموحة لتعزيز الإنفاق والإنتاج الدفاعي الأوروبي، مدعومة ببرنامج “العمل الأمني من أجل أوروبا” بتمويل قدره 150 مليار يورو. ومع ذلك، يشير التقرير إلى استبعاد تركيا من آلية التمويل الدفاعي المشترك، مكتفياً بوصفها “شريكاً طويل الأمد” في سياسات الأمن والخارجية الأوروبية. ورغم ذلك، أتاح الاتحاد الأوروبي هامشاً محدوداً للتعاون الفني، حيث يمكن لتركيا، كدولة مرشحة، المشاركة في مشاريع الدفاع المشتركة بنسبة لا تتجاوز 35% من مكونات المشروع، دون الحصول على تمويل مباشر.
أنقرة ترفض الاستبعاد وتؤكد على دورها الحيوي
في المقابل، رفضت أنقرة استبعادها من منظومة الدفاع الأوروبية الجديدة بشكل قاطع. وأكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على أن تركيا، بموقعها الاستراتيجي وامتلاكها أحد أكبر الجيوش في الناتو، يجب ألا تُستبعد من أي هيكل أمني أوروبي قيد التشكل، مشدداً على أن تجاهل قدراتها العسكرية يجعل أي منظومة دفاعية أوروبية غير واقعية.
تزامنت الرسائل التركية القوية مع استعراض للمكاسب الملموسة التي حققتها الصناعات الدفاعية التركية في السنوات الأخيرة. فقد برزت أنقرة كلاعب رئيسي في تطوير المسيّرات الهجومية والطائرات بدون طيار والصواريخ المتقدمة، مما أكسبها مكانة مرموقة على الصعيد الدولي.
ترى الباحثة زينب جيزام أوزبينار أن تركيا تمثل عنصراً لا غنى عنه في معادلة الأمن الأوروبي، نظراً لقوتها العسكرية وموقعها الجيوسياسي الحساس. إلا أنها تشير إلى أن الخلافات السياسية حول قضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون تضع عراقيل أمام اندماج تركيا الكامل في مشاريع الدفاع الأوروبية، حيث يتطلب أي اتفاق شراكة دفاعية مع أنقرة إجماع الدول الأعضاء الـ27، مما يمنح دولاً مثل اليونان وقبرص القدرة على عرقلته.
سيناريوهات محتملة لمشاركة تركيا
تستعرض أوزبينار ثلاثة سيناريوهات محتملة لانخراط تركيا في برنامج العمل الأمني الأوروبي. السيناريو الأكثر إيجابية يتمثل بتوقيع اتفاقية شراكة أمنية ودفاعية رسمية، تتيح لأنقرة الانخراط المؤسسي الكامل في المشاريع. السيناريو الثاني يكون بمشاركة غير مباشرة عبر تأسيس شركات تابعة في أوروبا أو شراكات مع كيانات أوروبية قائمة. أما السيناريو الثالث والأكثر سلبية فيتمثل في عرقلة انخراط تركيا، ما قد يؤدي إلى استبعادها من مشاريع الدفاع الأوروبية، وهو ما تعتبره خسارة كبيرة لمنظومة الدفاع الأوروبية.
مخاطر استبعاد تركيا على الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي
يرى المحلل السياسي أحمد أوزغور أن إصرار الاتحاد الأوروبي على استبعاد تركيا من مشاريعه الدفاعية يحمل تناقضاً بنيوياً يهدد مشروع الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي ذاته. ويعتبر أن بناء منظومة دفاع أوروبي مكتفية ذاتياً دون إشراك قوة إقليمية بحجم تركيا، وفي ظل تآكل الالتزام الأميركي التقليدي بأمن القارة، يكشف فجوة عميقة بين الطموحات المعلنة والموارد الفعلية المتاحة للاتحاد. ويشير إلى أن استبعاد أنقرة قد يؤدي على المدى الطويل إلى “شلل استراتيجي” عندما تجد أوروبا نفسها أمام تحديات أمنية لا تستطيع مواجهتها وحدها.