تصريحات إيتمار بن غفير الأخيرة تمثل نموذجًا صارخًا للغة التحريض التي تتجاوز حدود السياسة وتصل إلى مستوى خطير من التعبئة القومية المتطرفة التي يمكن أن تقوّض أي مسار تفاوضي فعلي. حين يصرح وزير في الحكومة بأن “الوقت ليس للتراجع بل للضغط على دواسة البنزين حتى سحق العدو”، فإنه لا يتحدث بلغة دولة تُدير صراعًا معقدًا ضمن معايير القانون الدولي، بل بلغة تُحاكي مفردات الحرب الشاملة والإبادة السياسية.
مسار تفاوضي حساس
مثل هذه التصريحات لا تحدث في فراغ، بل تأتي في لحظة حرجة من مسار تفاوضي حساس تحاول فيه أطراف إقليمية ودولية، بما فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر، التوصل إلى تهدئة أو وقف لإطلاق النار. وجود أصوات متشددة كصوت بن غفير داخل الحكومة الإسرائيلية يخلق صورة مزدوجة للقيادة السياسية: طرف يتحدث عن “صفقة”، وآخر يطالب بـ”الاحتلال الكامل والسحق”. هذا التناقض يضعف موقف إسرائيل أمام الوسطاء، ويُظهرها كجهة غير جادة أو غير موحدة، ما يُفقد أي مفاوضات مصداقيتها.
علاوة على ذلك، فإن دعوة بن غفير الصريحة لاحتلال غزة مجددًا ليست مجرد رؤية شخصية، بل تعبير عن أجندة أيديولوجية تسعى لتفريغ القطاع من محتواه السكاني والمقاوم، وتحويله إلى منطقة خاضعة للسيطرة العسكرية الكاملة. هذه الرؤية تُفشل مسبقًا أي اتفاق تهدئة ممكن، لأنها تسعى إلى الحسم بالقوة بدل التفاوض، وتضع المطالب الإنسانية مثل تحرير الأسرى وتخفيف المعاناة في مرتبة ثانوية أو حتى معادية للمصلحة القومية كما يراها هذا التيار.
الاتفاق مع الشيطان
بن غفير، من خلال هجومه على أي محاولة “للاتفاق مع الشيطان”، لا يهاجم حماس فقط، بل يوجّه تهديدًا ضمنيًا إلى شركائه في الحكومة الذين قد يفضلون حلاً تفاوضيًا، مثل نتنياهو الذي يوازن بين ضغط الشارع الإسرائيلي وخيارات الحسم العسكري. وهذا يُعزز من الانقسام داخل الحكومة ويضعف قدرتها على التوصل إلى قرار موحد في لحظة تتطلب أقصى درجات الحنكة والمرونة.
تأثير مثل هذه التصريحات يتجاوز الداخل الإسرائيلي. فهي تُقرأ في غزة على أنها إعلان نوايا واضحة للاستئصال، ما يدفع الأطراف الفلسطينية إلى التشدد أكثر، خشية أن يكون أي اتفاق مؤقت مجرد استراحة لإسرائيل قبل تنفيذ مشروع السيطرة الكاملة. كما تُحرج الوسطاء الإقليميين، الذين يجدون أنفسهم مضطرين لتبرير التعاون مع حكومة تحتوي على وزراء يدعون للاحتلال والبطش علنًا.
إضعاف موقف إسرائيل
ما يفعله بن غفير ليس فقط تهديدًا لمسار المفاوضات، بل أيضًا إضعاف لموقف إسرائيل التفاوضي أمام العالم، لأنه يعري الوجه الحقيقي لبعض مكونات السلطة، ويؤكد أن الهدف النهائي ليس السلام ولا حتى الأمن، بل الهيمنة التامة. وهو بذلك يُقوض أي إمكانية لحل سياسي طويل الأمد، ويُكرس منطق الصراع المفتوح إلى أجل غير مسمى.